اجتماعالاحدث

الرزق والقداسة والضحايا | بقلم د. أحمد عياش

تقضي العمر وأنت تحاول تحويل أحلامك إلى حقيقة و واقع لتتفاجأ ان هناك من يحاول جعل حياتك كابوس لا ينتهي.

انت تحاول وغيرك يحاول ولا مفرّ من الصدام بين تمنياتك ومساعيهم.

أنت تسعى لرزقك وغيرك يسعى لرزقه ،انت تريد أن تربح وغيرك يريد أن يفوز والرزق في منتصف الطريق يناله من كان أسرع في الوصول ومن كان أقوى في العراك ومن كان ابوه أقوى ومن كان محظوظا أكثر.
انت تريد وغيرك يريد ما تريده ولا مفرّ من العراك ومن المنافسة ومن الحيلة ومن الصدق ومن النفاق ومن الصواب والمعنى واحد.

انت ثور ينطح وغيرك وحيد قرن ينطح والمنطوح واحد ما تسمّيه أنت حلالك وما يسميه هو حصّته وما يسميه الناطحون الآخرون نصيبهم والرزق واحد تارة مقسوم وتارة مسروق وتارة يحتكره المحتالون أكثر.
هناك من يكمن لرزق السماء ويعيد توزيعه كما يشاء.
ليس كل ما تناله رزقا لك وليس كل ما يدخل جيبك من نصيبك وليس كل ما ادخرته حلالك.

ليس لأنك محتال أكثر صار لك الحق ان تخدع غيرك وان تربح وليس لأن غيرك مضطر ان يقصدك وان يرجوك لأنك تقف عند مفترق طرق الزامي في المدينة ان تعتبر كل رشوة هدية ولكل هدية فتوى وكل فتاويك تجعل حرامك حلال.

لا يرضى الربّ ان ينطق احد بإسمه وان يدّعي القدرة على تحويل سيئات الدنيا لحسنات في الآخرة فالسيئات ليسوا دولارات والحسنات ليسوا عملتك الوطنية ومدّعي التواصل مع الغيب ليوا صرّافين معترف بهم من سلطات السماء.

ليس لأن العقل العلمي لم يجد جواباً او رداً اليوم على سؤالك ان تدّعي انت ان ما حصل معك اعجوبة تستدعي شهوداً ليثبتوا لنا انك خادم الاله والزعيم وانك مكرّم وان علينا تطويبك على طريق الاحزاب والقداسة لتبقى زعيما علينا دنيا وآخرة.
زعماء المال والسياسة والطوائف مارسوا التطويب الذاتي منذ زمن بعيد.

إن عدنا لأعاجيب القدماء لوجدنا لأعاجيبهم السابقة تفسيرات علمية سهلة وثابتة حاليا تشرح ان ما حصل مع البعض ليس تدخلا سماويا.
مَن يجروء على رفع القداسة ان اتينا بالدليل.؟
مع القطار البخاري لم يمت الإله بل مات النقد.
منذ الأزل والانسان يخاف ويرفض ان يموت ويحاول قدر المستطاع الهرب من مصيره إلى الخلود.
احيانا ترى بالعين المجردة زعماء سياسة قديسين احياء يكرّمون قديسين حقيقيين مشهود لهم بحسن السلوك وبلطف الكلام انما اموات.
لتطوّب طاهرا عليك أن تكون انت والجمهور كله أطهر واقدس منه وهذا اقلّ الايمان.
نتنافس حتى في القداسة فلكل منّا اسلحته الفتاكة في الشوارع وفي الأسواق وفي المعابد ليقتل بإسم قدّيسه.
كل المجازر قد ارتكبت تحت شعار اتباع تعاليم المقدّسين ومن لا قديس له ابتكر ما هو اقدس.

مَن يقنع الصهاينة ان يهوه في فلسطين قد تجاوز حدّه ؟
من يقنع الآخرين ان الأساطير ستقتلنا جميعاً؟
تقضي العمر وانت تحاول تحويل أحلامك إلى حقيقة و واقع لتتفاجأ ان هناك من يحاول جعل حياتك كابوس لا ينتهي .
انت تجهد العمر كلّه لتخبىء قرشك الأبيض ليومك الاسود وهناك من يجهد قربك ليسرق قرشك الأبيض بلحظة ولتجده في الصفوف الأولى في المجتمع يحكي بالانسانية ويحمد الله.
لماذا لا يطوّب الفاسدين والدولة المالية العميقة الحاكم بأمر المال السابق؟
ليكن للاشرار معبدهم كي لا ينجسوا معابد المؤمنين الحقيقيين.

الدكتور أحمد عياش، باحث في علم النفس السياسي والديني

الدكتور احمد عياش، طبيب نفسي وكاتب. صدر له كتاب الانتحار الصادر عن دار الفارابي (2003)، وكتاب الاعاقة الخامسة: الاعاقة النفسية الاجتماعية الصادر عن مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب (2008)، بالاضافة لكتاب الشر والجريمة عن دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع (2013)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى