عرفته في عمر الـ 6 سنوات، حيث كنت في زيارة إلى حاريص في جنوب لبنان مع والدي الى منزل آية الله العظمى الشيخ محمد تقي آل فقيه زوج خالة والدي، وكان الشيخ عبد الأمير قبلان رحمه الله موجوداً حينها بانتظار قدوم الإمام موسى الصدر لنفس السبب، وقال لي والدي صافح الشيخ فهو قريبنا، وهو زوج الحجة عزة سليلة آل فقيه رحمهم الله جميعاً. بعدها لم أره ولم أشاهده الا على شاشات التلفزيون وخاصة بعد حادثة اختطاف الإمام موسى الصدر حيث كان له دور بارز وأساسي مع الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، بالمطالبة بكشف حقيقة اختطاف الإمام والتصدي لمقاومة العدو الصهيوني من خلال دوره في خطبه التوعوية ودروسه في مساجد وحسينيات جبل عامل والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت ومن خلال موقعه كنائب لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وفيما بعد رئيساً له وللهيئة الشرعية في حركة أمل.
الطيب الحنون والرؤوف، هكذا عرفته بعد مرور أكثر من 25 عاماً على لقائي الأول به، إذ كنت أزوره من حين إلى حين للاطمئنان عليه وعلى الحجة عزّه، وكان يبادرني بالسؤال: كيف صحة أمك وعمتك واخواتك؟ وأحياناً كان يسألني بالأسم عنهم، وكان “لكاسة الشاي” معه طعمٌ ومذاق خاص (على الطريقة النجفية). كان يفاجأني من حين إلى حين بالاتصال بي على صحيفة “السفير” للسؤال عن أخبار البلد وللاطمئنان على “خطبة الجمعة” إذا نشرت له أم بعد.
في صالون دار الإفتاء لم تكن تجد مكاناً للجلوس، فهو دائماً مكتظ بطالبي الحاجة أو لحل مشكلة ما، أم لإصلاح ذات بين، أو لاسترجاع حق مغصوب أو لإيجاد وظيفة أو عمل لأحد ما أو لمنحة مدرسية أو جامعية داخل وخارج لبنان، وغالباً ما كان يلبي حاجاتهم بالقدر المتيسر، وكان يحرص على ألا “يكسر بخاطر أحد” فغالباً ما كان يمازح الحضور ويخفف عنهم بطريقته اللبقة المعروفة عنه، وكان يبادر أحياناً للاتصال شخصياً بالمسؤولين والمتنفذين في البلد لمساعدة أحدهم.
لقد كان لدوره السياسي الأُثر الإيجابي لناحية توعية أجيال الناشئة على مستوى الوطن من خطورة العدو الصهيوني وأطماعه في أرضنا ومياهنا، وقد تصدى بشكل شرس للأطماع الصهيونية وللمظلومية التي لحقت بالفقراء والمساكين في كل المناطق اللبنانية، وكان يعمل من خلال دروسه وخطبه واجتماعاته على ابراز مظلومية الشعب الفلسطيني وأحقيته بأرضه المغتصبة.
خلال فترة دراسته ارتبط بعلاقات وطيدة مع علماء ورجال دين كبار كان أبرزهم: الإمام السيد موسى الصدر، آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، العلامة الشيخ مفيد آل فقيه، العلامة السيد علي مكي العاملي، العلامة الشيخ سليمان اليحفوفي. وأثناء وجوده في العراق، واكب المسيرة الجهادية للمرجع الديني السيد محسن الحكيم وعمل معه أكثر من 10 سنوات كانت من أشد المراحل حراجة في العراق، لا سيما الفترة التي أعقبت الانقلاب على الحكم الملكي، حيث تعرض والعديد من العلماء لمضايقات كثيرة وتهديدات من قبل النظام العراقي.
نزولاً عند رغبة السيد حسين مكي (مرجع المسلمين الشيعة في سوريا آنذاك) وبطلب من المرجع الديني السيد محسن الحكيم عاد الشيخ قبلان سنة 1963 إلى لبنان وانتقل إلى بلدة برج البراجنة تلبية لطلب من الجمعية الإسلامية فيها، حيث بدأ مهامه الدينية، وباشر بإتمام بناء مسجد الإمام الحسين بن علي، واشترى قطعة أرض مجاورة للمسجد، بنى عليها حسينية ومدرسة (التكامل الإسلامية)، كما أنشأ مستوصفاً صحياً مجاوراً للمسجد الذي تولى إمامته منذ العام 1963 .
ربطت الشيخ قبلان مع آل الصدر علاقة قديمة منذ المراحل الأولى لإقامته في النجف ودراسته على يد السيد إسماعيل الصدر، وقد تعمقت هذه العلاقة إبان وجود الإمام الصدر في لبنان، حيث تكثفت اللقاءات بين الشيخ قبلان والإمام الصدر وتطورت حتى بلغت مرحلة متميزة من الصداقة والأخوة المتينة، رسختها حالة من التواصل والتشاور والتباحث في الشؤون العربية والإسلامية والوطنية وبالخصوص أمور الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان التي كانت تعاني مأزقاً معيشياً صعباً، وتخلفاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً خطيراً، مضاف إلى هذا وذاك حرمان وإهمال في كل مناحي الحياة.
وقف الشيخ قبلان إلى جانب الإمام الصدر في حركته المطلبية، ورفع معه شعار حقوق الفقراء ونصرة قضايا المحرومين، كما واكب معه مسيرة تحقيق العدالة الاجتماعية وضرورة تغيير النظام في لبنان. وكان للشيخ قبلان دور بارز في هذا السياق، ومشاركة فعالة في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حيث انتخب سنة 1969 عضواً في الهيئة الشرعية، كما تميز بنشاط كبير في إقناع عدد كبير من العلماء ورجال الدين الشيعة بالانخراط في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والعمل في لجانه ومؤسساته.
بعد وفاة المفتي السيد حسين الحسيني سنة 1970 أجمعت قيادات الطائفة على ترشيح الشيخ عبد الأمير قبلان لخلافته، فما كان من الإمام السيد موسى الصدر إلا أن أسند إليه منصب المفتي الجعفري الممتاز.
بعد غياب الإمام الصدر تولى الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان نائباً للرئيس إدارة شؤون المجلس الشيعي ،وتعاون معه في ذلك الشيخ ،واستمر في القيام بدوره المؤازر للإمام شمس الدين وبحرص شديد على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وعلى كل المؤسسات التي أطلقها الإمام الصدر.
وفي العام 1994 انتخب الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كما أنتخب الشيخ قبلان بالإجماع نائباً للرئيس. وإثر إصابة الإمام شمس الدين بمرض عضال ودخوله إلى المستشفى في أوائل شهر تموز من سنة 2000، تولى المفتي قبلان مهام رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى نزولاً عند رغبة الإمام شمس الدين الذي كان يرغب أن يُنتخب الشيخ قبلان رئيساً للمجلس وهو على قيد الحياة. (المصدر).
رحم الله جميع من ذكرت أسماؤهم أعلاه سيما فقيدنا العلّامة الشيخ عبد الأمير قبلان وأدخلهم فسيح جنانه وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.