من هو الداعية؟ وكيف يمكن تصنيف الداعية دينيا؟ وهل يتوّجب في بلاد المسلمين أن يكون ثمة دعاة؟
يواصل “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” اطلاق “سلسلة اعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي” ضمن خطته ورؤيته لخدمة هذا الفكر في نشر وطباعة نتاجهم الفكري والثقافي عبر كتّاب وبحّاثة يستعرضون أفكارهم التي أضافت للفكرين العربي والإسلامي ما أضافت إليه، وكل ذلك في دائرة التثاقف وتدوير الأفكار ونقلها وترويجها وإعادة انتاجها من أجل تطويرها وتحديثها.
فيي كتاب الباحث المصري محمود عبده (1979) حول الداعيّة الشيخ محمد الغزالي (1917- 1996)، نكتشف السلاسة التي يتمتع بها عبده في عرضه لأفكار الغزالي الدينية التي نهلها من تاريخ شخصية بدأت إخوانية وتدرجت لأن تصبح نهضوية تجديدية إصلاحية جامعة. وكما تأثر به كل من محمد عمارة ويوسف القرضاوي، إلاّ أنه تأثر بكل من محمد عبده ورشيد رضا و”مدرسة المنار” على وجه الخصوص.
واللافت هو حبه وتأثره بالامام حسن البنا، رغم اختلاف الطباع، حيث عُرف عن محمد الغزالي طباعه الحادة، عكس البنا ذي الشخصية الكارزمية المُحبوبة والمُؤثِرة. وكانت قد كرّمته طهران نظرا لجهوده في مسألة التقريب بين المذاهب، فهو وقف في مواجهة مع العلمانيين في مصر ، خاصة عند محاكمة المفكر العلماني الراحل فرج فودة قبيل اغتياله، مما أثار ضده الكثيرين، ولم يتراجع عن موقفه من فودة عكس موقفه المتغير من الأديب العالمي نجيب محفوظ.
يُحاول محمود عبده في كتابه هذا، إنارة طريق القارئ بهدوء تام وبرواق حول شخصية دينية على مدى 299 صفحة من القطع الوسط، مُغنيا القارئ عن الاطلاع على عشرات الكتب التي تخص الغزالي، ففي ثلاثة أبواب وثلاثة فصول لم يترك عبده فكرة للغزالي إلا واستعرضها وناقشها وبحثها وفصلّها، في تتبعٍ دقيقٍ للداعية الغزالي مما يُحيلنا إلى أهمية عمله، الأمر الذي يستوجب تكملة هذه السلسلة حول العديد من المفكرين الإسلاميين من العرب ومن غير العرب لحاجة القراء الشباب لهذه الدراسات شبه الأكاديمية والمهمة كونها أقرب للتفصيل.
كان الشيخ محمد الغزالي غزير الإنتاج، متنوّع المناهل، غطى بقلمه كافة القضايا الفكرية والاجتماعية والفكرية والسياسية على عادة المجتهدين والاصلاحيين والمتصدين للشأن العام في بلاد تحتاج لمعالجة كافة قضايا هذا المجتمع الذي يمتد من أقصى العالم إلى أقصاه حيث هناك من يوحد الله وينطق بالشهادتين. وإن كان عبده يرى أن مشروع الغزالي لم يحظَ حتى اليوم بالاهتمام اللازم، رغم اصداره أكثر من 56 مؤلفا متنوعا.
وقد تميّز محمد الغزالي بـ”تقديم المرجوح على الراجح” مراعاة للغربيين في قبولهم الإسلام بحسب محمود عبده في كتابه هذا. وهو الوسطي الذي يميل “إلى الأشاعرة في قضية التأويل، وإلى المعتزلة في قضية القضاء والقدر!!”.
وما تميّز به كتاب الباحث عبده حول الغزالي هو تخصيصه فصلا خاصا لنقد الغزالي بعد عرض نتاجه تفصيليا، وهو ما يدفع لتأكيد علميّة الباحث، إذ استعرض تساؤلاته التي قد تخطر على بال كل قارئ مهتم. فما يؤخذ على الغزالي هو:
اولا : الحدة في الخطاب وتوجيه الاهانات لفئات محددة، رغم أنه كان دوما يتحدث عن حُسن الخلق، ثانيا: تعدد الافكار في كتاب واحد مما يكشف التشتت وعدم التركيز.
وما يلفت في كتب الشيخ محمد الغزالي هو اهتمامه بالاقتصاد وبالتفصيل حيث تناول كل ما يتعلق بالعيش والضرائب والعمل والعمال والاحتكار والى ما هنالك من امور مالية واقتصادية. وكان أول كتاب له بعنوان “الإسلام والاوضاع الاقتصادية”.
لكن المتزمّتين اعتبروا دفاعه عن المرأة خروجا عن العُرف، وامتدادا للإشتراكية والديموقراطية، وامتدادا لفكر قاسم أمين وغيره من دعاة تحرير المرأة. لكن الغزالي انطلق من رؤيته القرآنية تجاه المرأة ضد الجاهلية الأولى أو الغربية.
وبرأي المتابعين لا يمكن أن تصبح النهضة الفكرية حقيقة إلا إذا اعترف المجتمع المسلم بمختلف أطيافه بأمراضه أولاَ، وبأهمية وجود مفكريين نهضويين متنوعيّ الاتجاهات والمدارس من أجل تقديم صورة معاصرة عنه للمؤمنين به على الأقل.