اجتماعقراءات معمقة

اللغة …هذا السلاح الناعم | د. هبة مهيدة

” فتبارك الله احسن الخالقين” ,من الآية 14 من سورة المؤمنون عبارة عميقة نفهم من خلالها ان الانسان ايضا يستمد من اسمه الخالق ليصبح هو الاخر خالقا و مبدعا بقدر.
وأن أحد طرق وأساليب الخلق المتاحة للبشر “الكلمة”و قد لخص الأديب الراحل عبد الرحمن الشرقاوى معنى وقيمة الكلمة فى حياة البشرية و كان ذلك فى مسرحية “الحسين ثائرا”
إذ قال فيها على لسان سبط النبي عليه السلام الكلمة “نور و بعض الكلمات قبور ” أي انك إن شئت احييت الأمر بمجرد لفظك الكلمة أو ابطلت مفعوله بالتغاضي عن ذكر أخرى.
حتى أن علماء النفس استحدثوا احدى التقنيات المعروفة في التعديل السلوكي و هي ما يسمى ب “الإطفاء” و الذي اساسه اهمال الشيئ بالتغاضي عن ذكره و تسميته.
يعتبر المصطلح تجلي للوعي و هو البارومتر الذي يقيس أجواءانا الداخلية و التي هي انعكاس للاجواء الخارجية.
كثيرة هي الامثلة التي تخبرنا بحقيقة حدوث التغيير بنعومة لا يتفطن لها أحد, سبق و أشار ابن خلدون في حديثه عن التغير الاجتماعي بقوله:”انه داء دوي شديد الخفاء فلا يكاد ينظر له الا الآحاد من اهل الخليقة و تلك هي أحوال البشر لا تقوم على وتيرة واحدة أو منهاج مستقر” مع أن العلوم تقدمت كثيرا منذ ابن خلدون في القرن 14م و ظهرت علوم الأعصاب و علم النفس المعرفي و العصبي اللذان يشكلان قاعدة نظرية موجهة لكل ارادات النزعة النيوكلنياليه الجديده التي سخرت هذه العلوم لميولها في مراقبة العالم و التحكم فيه بأقل الخسائر و التكاليف الممكنة.

قبل سنوات وفي زمن غير هذا الزمن. ما كانت تجرؤ قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية على استضافة محلل او خبير او مختص إسرائيلي بالشأن الكذائي و لم تكن تجرؤ على تسمية الأشياء بمسمياتها اولا لانه لا احد كان يستسهل مثل هذا الإقبال على فعل هذه الأشياء و ثانيا ما كان أحد سيقبل مثل هذه الافعال و كانت ستحتج الضمائر اليقظة.
و لكن حدثت امور كتيرة و تقرر ان يكون هناك بداية لعهد جديد و قطعت مسافات ضوئية في حسابات تشكل الوعي و تشكل المفردات التي تعتبر تجليات لهذا الوعي.
لقد تم تدجيننا برقي و بنعومة خارقة ..
كانت أدوات التدجين و الاسترقاق و عمليات غسل الأذهان كثيرة و ناعمة الى حد تذكر بنظرية الضفدع و الماء الدافئ التي مفادها أن يوضع ضفدع في إناء على النار و يشرع في رفع درجات الحرارة بتدريج خفيف حيث يقفز الضفدع عند كل لسعة حارة و يعود ليستكين و يستسلم مجددا و مع كل مرة تعاد نفس الآلية الى ان يفقد الضفدع إحساسه كليا بالحرارة ليستمر في التنفس قليلا و بعدها ينطفئ.
عمليات رفع (الحرارة) باستبدال قواميسنا اللغوية مرت بنفس الخطوات و الآليات حتى فقدنا كل استشعاراتنا بالخطر .
لقد تم تدجيننا من قبل في مجالات عدة اخرى حتى تحولنا الى كائنات مستسلمة الى هذا الحد. منسجمة مع ضعفنا المستشري في كل كياناتنا.
هكذا تم إدخال مفردات جديدة في قواميسنا على طريقة الضفدع و الحرارة حتى نسينا تقريبا من نكون و قد ننسى ما هي قضيتنا الأصل .. و حلت محل حواجزنا المعرفية التي كانت ترسم لنا الطريق واضحا حلت محلها تذليلات تحت مسميات مثل الفيلونثروبي”حب الانسان” لتجعل من قبولنا لكلمة “المحلل الإسرائيلي”الذي تقدمه لنا قنوات عربية امر عادي لا أحد يحتج عليه.

راقبوا تغير مصطلحاتكم.

د. هبة مهيدة، كاتبة وأكاديمية جزائرية

كاتبة و اكاديميه جزائرية متحصله على دكتوراه في الانثربولوجيا و لديها شهادات لييانس في علم النفس العيادي و علوم الاعلام و الاتصال تشغل حاليا مركز استاذ محاضر في الجامعات الجزائرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى