ضمن فعاليات الملتقى العالمي للتصوف في دورته السادسة عشر، المنظم بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من طرف الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم “CEMEIA”، في الفترة ما بين 11 إلى 15 ربيع الأول 1443هـ الموافق لـ 18 إلى 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021م، أقيمت يوم الثلاثاء 19 تشرين الأول/أكتوبر 2021، ندوة علمية تفاعلية تحت عنوان ” الصحبة طريق للمعرفة والتنمية “.
شارك فيها كلٌّ من الدكتور منير القادري، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، والدكتور ميشال طاو شان ( (Michel Tao Chan مفكر، رئيس ومؤسس “مجموعة التفكير حول القضايا الأممية”، والدكتور عماد كريكوري فاندام، كاتب متخصص في الفكر والروحانية الإسلامية، والدكتور سمير الحلوي، أستاذ جامعي بالمدرسة الوطنية للإدارة، والدكتور عبد الرزاق تورابي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس في الرباط .
افتتحت فعاليات هذه الندوة، بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، من طرف المقرئ يوسف كريم الله من المغرب، تلتها أولى المداخلات التي كانت للدكتور سمير الحلوي، الذي أبرز أهمية الصحبة ومكانتها في الإسلام، موضحا خصائص الشيخ المربي ، وبين معنى الهمة والاذن في التربية، كما ناقش المفهوم الصوفي للحرية والتحرر .
من جهته أكد الدكتور عبد الرزاق التورابي أن التصوف يعتمد الصحبة منهاجا لتحقيق غاياته، وهي التحقق بمضامين الدين، وأن السير إلى الله تعالى تحت إشراف الشيخ المربي هو سير داخل النفس الإنسانية لطي مراحلها، واختراق مسافاتها المعنوية، والرجوع إلى مصدرها الأصلي وتحررها من القيود، واضاف أن المعنى الصوفي للحرية هو أن الإنسان لا يكون حراً بالمعنى الحقيقي للحرية إلا إذا ارتفع فوق شهواته وأهوائه، وأنّها نتاج جهد ومجاهدة وليست معطى إنسانيّاً، وعلى أنّها «حالة معاشة» تتحقّق في جدليّة مع العبودية لله.
وأشار الدكتور ميشال طاو شان في مداخلته التي كانت باللغة الفرنسية إلى أن الادراك عند الانسان يتكون لديه من مفهوم أو فكرة نتيجة لمؤثرات بيئية عن طريق الحواس، موضحا أنه يتكون من عدة محددات وهي المطابقة والتمييز البصري والثبات الادراكي ثم إدراك العلاقات المكانية، كما بين انواع الادراك المتمثلة في الادراك بالعين المجردة والادراك فوق الطبيعي «Perception Extrasensorielle» والادراك الكامل «Perception de perfection» ثم إدراك المعرفة او العارفين، وأضاف ان المحبة عنصر أساسي في ترقي وسلوك الانسان في هذه المستويات الاربعة، وأن هذه المحبة لا تدرك كلها في خطوة واحدة، ولكنها درجات ومدارج في السير إلي الله، يقطعها بمعية وصحبة شيخ وأستاذ التربية لاحتياج الناس إلى مداوات قلوبهم، ومعالجة نفوسهم، فيصبح الشيخ مرشدا في هذه الحياة المليئة بالعوائق والأوهام والحقائق المحجوبة، وزاد ان النية والإرادة والقصد مقدمة على كل أمر، ثم يعقبها الفعل، فهي بدء طريق كل سالك واسم أول منزلة كل قاصد.
وتمحورت المداخلة الثالثة باللغة الفرنسية للدكتور عماد كريكوري فاندام، حول “التربية الصوفية والقيم الكونية”، أبرز من خلالها أن البعد الكوني الذي يسم القيم المعرفية والأخلاقية والتربوية والجمالية التي تنطوي عليها، يتناغم مع جوهر الشرائع وثوابت الاديان، وكذا مع المبادئ الكونية التي تشكل المقاصد البعيدة للأديان، وأوضح أن التربية الصوفية حرصت على إيلاء الإنسان في منظومته الفكرية مكانته التي يستحقها والمستنبطة أصلا من التصور القرآني للحقيقة الإنسانية، تلك الحقيقة التي احترمت الكائن البشري وبوأته مركز الصدارة في سلم الكرامة، كما بين ان الإسلام دعا إلى احترام أديان الآخرين وعدم التهجم عليها أو استهجان عقائدهم وأفكارهم، وأنه حث على التعايش السلمي بين رؤى الناس ومناهجهم مقرا بالحق في الاختلاف.
أما الدكتور منير القادري، فأوضح في كلمته أنَّ هذه الندوة التفاعلية تأتي لبيان أهمية البعد الاحساني للتصوف المستنبط من المعاني القرآنية والسنة النبوية المحمدية، وأضاف أن التصوف ثابت من ثوابت الهوية المغربية التي أصلت للتماسك وتراص مختلف مكونات المجتمع المغربي، مبرزا خصوصيات المذهب المالكي عند المغاربة في استنباط الطرائق والمناهج العلمية للوصول إلى استخراج الأحكام التفصيلية من أدلتها الإجمالية، وأكد أن الفقهاء المالكية أدركوا أهمية ربط المذهب الفقهي المالكي بالجانب العقدي تحصينا لعقيدة الناس خوفاً من أن يتسرب إليها من شبهات الطوائف الأخرى ما يفسدها، وأنهم اختاروا العقيدة الاشعرية التي شكلت منظومة فكرية متكاملة، وتابع أن المكون الثالث للهوية الدينية والوطنية الذي هو التصوف او علم الاخلاق أريد به اصلاح القلوب وتصفية النفوس، مما ران عليها من ظلام الشهوات، فالقلب او المضغة النورانية إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد، وشدد على ان محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي العروة الوثقى التي ينبغي أن ندرك عظمتها، وهي محبة اتباع سنته وفعله عليه الصلاة والسلام.
وقال القادري “أن المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية والتصوف السني وإمارة المؤمنين الضامنة لها، كلها مجتمعة شكلت الحصانة الذاتية و الروحية والأخلاقية للشخصية المغربية من كل أشكال الاختراقات الاستعمارية الهدامة و الإيديولوجيات والأفكار المتطرفة، الشيء الذي جعل المجتمع المغربي ينعم بالأمن الروحي و السلم المجتمعي، وأن التجربة المغربية أصبحت نموذجا يحتذى به على المستوى الإقليمي والدولي “.
ويذكر أن هذه الندوة العلمية عقدت بشكل تفاعلي، حيث ساهم بعض الحاضرين في أشغالها من خلال طرح بعض الأسئلة التي تولى السادة العلماء المشاركون في هذه الندوة الرد عليها.