في 25 كانون الثاني، ومنذ العام 2022، يتم الاحتفال باليوم الدولي للمرأة ودورها في العمل متعدد الأطراف من خلال قرار المؤتمر العام (2021) لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). يستند هذا اليوم إلى ثلاثة محاور أساسية: مركزية حقوق الإنسان (بما في ذلك المساواة بين الجنسين)، وانتشار السلام وتعزيز التنمية المستدامة.
كانت المرأة في طليعة هذه المحاور من خلال أدوارها القيادية، والدعوة إلى السياسات المناسبة، والاستثمار في تمكين النساء والفتيات، والضغط من أجل المزيد من المؤسسات الخاضعة للمساءلة. وقد شهد التاريخ الحديث العديد من الإنجازات القانونية والسياسية الرامية إلى تعزيز دور المرأة في الحوكمة العالمية. لقد تأثر ميثاق الأمم المتحدة (1945) بقيادات نسائية بارزة لعبت دوراً أساسياً في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948).
كما تدعو اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو 1979) إلى حق النساء في تقلد الوظائف العامة والحقوق المتساوية للمرأة في تمثيل بلدانها على المستوى الدولي. بينما يسلط قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن (2000) الضوء على دور المرأة في عمليات بناء السلام واستمرار الاعتراف المحدود بدور المرأة وخبرتها كعامل للتغيير الإيجابي والتحولات المجتمعية. وفي العام 2021، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش رؤية طموحة بعنوان “أجندتنا المشتركة” Our Common Agenda، تهدف إلى تحسين التعاون الدولي من خلال تعزيز العمل متعدد الأطراف.
وبفضل هذه الالتزامات العالمية، شهدنا زيادة تمثيل النساء في المناصب العليا الرئيسية في الحكومات، وفي البعثات الدبلوماسية، وفي المؤسسات المتعددة الأطراف وفي وكالات الأمم المتحدة. وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققت، لم تولِ المؤسسات والمنظمات الوقت والموارد الكافية لتحويل هذه الالتزامات العالمية إلى واقع ملموس.
وعن أهمية هذا اليوم والإنجازات والتحديات المقبلة، تحدثت الأستاذة الجامعية فاديا كيوان، المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية والتي مثلت لبنان في المنظمة من العام 2003- 2017.
وشددت كيوان على أن العمل المتعدد الأطراف يوفر منصة عالمية للعمل، تستند إلى القيم بدلاً من الديناميكيات القائمة على القوة. وبينما يعكس العمل متعدد الأطراف في كثير من الأحيان اختلال توازن القوى، مثل الهيمنة شبه العالمية للولايات المتحدة بما في ذلك على منظومة الأمم المتحدة، فقد شددت على قدرتها على توحيد المجتمعات وتجاوز الواقع المحلي لتحقيق أهداف عالمية مشتركة. كما أكدت على أهمية دور الدول في الحفاظ على السلام وحل النزاعات بالوسائل الديبلوماسية والمفاوضات، للمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة على الصعيد العالمي.
وعن دور المرأة في العمل متعدد الأطراف، أشارت كيوان إلى أن التقاليد والثقافات المجتمعية غالباً ما تستخدم لتبرير التمييز، ما يعيق تقدم المرأة. وشددت على أهمية زيادة حضور المرأة في مناصب صنع القرار، وفي المنتديات متعددة الأطراف وفي منظومة الأمم المتحدة وتعزيز السياسات التي تعزز المساواة بين الجنسين على المستوى العالمي.
وفي ما يتعلق بالسياسات الخارجية النسوية، أكدت كيوان على ضرورة معالجة الهيمنة العالمية لسياسات الشمال وتأثيرها السلبي على المرأة في الجنوب، داعية إلى تبني سياسات التمييز الإيجابي لمعالجة عدم المساواة بين النساء والرجال بشكل فعال. وحثت القيادات النسائية من الشمال على تحدي أوجه عدم المساواة هذه من خلال التأثير على الأجندات السياسية العالمية.
كما تحدثت عن العوائق الثقافية والاقتصادية التي تواجه النساء، خاصة في العالم العربي. وأشارت إلى أن التقاليد المجتمعية غالباً ما تعيق تمكين المرأة واستقلالها المالي، حيث لا تزال الأدوار التقليدية والعمل المنزلي غير المدفوع تشكل عقبات رئيسية. وشددت على الدور الحيوي لاقتصاد الرعاية Care Economy كإطار تحويلي لا يعطي الأولوية ويقدر أعمال الرعاية فحسب – سواء كانت مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة- ولكنه يعالج أيضاً الخلل المنهجي حيث تظل أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، والتي تؤديها النساء في الغالب، مقومة بأقل من قيمتها ويتم تجاهلها، بحيث يجب أن تكون مشتركة بين الرجال والنساء.
جدول أعمال غير مكتمل
ومن أجل الالتزام بهذا القرار الدولي، تصبح زيادة تمثيل النساء في مناصب صنع القرار الرئيسية أمراً حتمياً. وعلى الرغم من الإنجازات التي تم تحقيقها، إلا أن هناك العديد من العقبات التي تواجه المرأة في ما يتعلق بالمشاركة في صنع القرار، وفي بناء السلام، وفي الشؤون الدولية. ويلزم وضع خطط وإجراءات قوية للمضي قدما بالإنجازات السابقة من أجل تغيير طبيعة الحوكمة العالمية نحو التمثيل المتساوي للمرأة ونحو إعداد الشابات ليصبحن قادة عالميين. وللمضي قدماً، يجب ترجمة خمس أولويات ملحة إلى أفعال:
-التضامن العالمي: يجب استخدام المنصات متعددة الأطراف من أجل تجاوز عوامل مثل الحدود والسياسة الإقليمية والهيمنة والمنافسة من خلال ممارسة التضامن العالمي. ويتعين على زعماء العالم أن يدرسوا تأثير أفعالهم على عمليات التنمية، وعلى حل الصراعات، وعلى المساواة بين الجنسين من أجل المضي قدماً نحو مشاركة أقوى للمرأة في التعددية.
-الأطر القانونية: لم تحقق أي دولة حتى الآن المساواة بين الجنسين. وينبغي تطوير التشريعات والقوانين والسياسات وسَنّها، وتوفير الميزانيات ووضع أنظمة للمساءلة. وعليه فإن المساواة بين الرجل والمرأة يمكن أن تتجاوز الثقافات والأعراف والعادات وأن تكرس في ثقافة الحقوق والحريات الأساسية.
-البدء مبكرا والاستثمار في التعليم: تتطور أدوار الجنسين في سن مبكرة. ومن أجل تعزيز المساواة بين الجنسين وتقدير المساهمة المتساوية للمرأة في المجتمع، يحتاج الأطفال منذ سن مبكرة إلى تطوير المعرفة والمهارات والخبرة المناسبة للمشاركة بشكل كامل وفعال في العمليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتولي أدوار قيادية منذ سن مبكرة.
– زيادة مشاركة النساء: كل صوت مهم، وقد أثبتت المرأة التزامها ببناء السلام واستخدام الديبلوماسية من أجل منع الصراعات. ومع ذلك، لا يزال تمثيل المرأة في مناصب صنع القرار العامة والدولية غير كاف.
– بناء التحالفات والشبكات: تتطلب معالجة العوائق الهيكلية والثقافية واتخاذ إجراءات على المستوى المحلي وإلى المستوى العالمي، من أجل تعزيز أصوات النساء، وتبادل الدروس المستفادة، والدعوة إلى إدراج وجهات نظرهن وخبراتهن في الجهود العالمية، وتوجيه أجيال الشباب للمشاركة بنشاط في الأدوار القيادية.
لقراءة المقال باللغة الأجنبية: اضغط هنا
المصدر : النهار