قراءة في “تشريح التدميرية البشرية” لإيريك فروم
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
الهاشمي ورؤيته عن: المساعد السحري والتوجه التلقفي. غياب الإيمان بالعقل والضمير. الفرق ببن الحرب العالمية والحرب الاستعمارية
الاستاذ محمود منقذ الهاشمي، في مقدمة ترجمته كتاب إيريك فروم” تشريح التدميرية البشرية”، يورد نقلا عن أحد الكتاب العرب قوله: وجود تيارين في الفكر السياسي عندنا، يبرزان بشدة وإن لم يكونا التيارين الوحيدين. أحد التيارين ينادي بالعقلانية ولكنه يظن أن العقلانية تعني عدم المبدئية ولذلك فهو مستسلم لكل ما يصدر عن السياسة الأمريكية، والتيار الآخر مبدئي ولكنه ماضوي لايعيش عصره بل يسبح في أفق غيبي ويقاوم من دون فهم واضح للواقع أو خطة واقعية من أجل المستقبل. ويصحح القائل، للمنادين بالعقلانية، أن الخطأ الفادح الذي يقعون فيه مؤكدا لهم، مرات ومرات ، أن العقلانية لاتتنافى مع المبدئية، وأن الانسان بمقدار ماهو بحاجة إلى العقل يحتاج إلى الضمير.
الهاشمي، بعد ايراد ماسبق عن أحد الكتاب، يقول:” إلا أن المشكلة تبدو أعمق بكثير مما يرى أعلاه. فهؤلاء “العقلانيون” لايبدو أنهم يفتقرون إلى المبدئية والضمير الإنساني وحسب، بل هم يظهرون في الدرجة الأولى غياب الإيمان بالعقل. فمبدأ العقل هو الشك، والشك حتى في المسلمات والحقائق البديهية هو في الصميم من العقلانية والحداثة، والحقيقة هي ان الشك هو أساس كل تقدم فكري. ولكن هؤلاء الناس يعيشون على المسلمات التي لايملون من تكرارها، وهم بدلا من الشك يعتمدون على التصديق القبلي والتكذيب القبلي. وإذا أبدى المرء مسحة من الشك في أية معلومة، أمريكية مثلا، اتهم على الفور بأن فيه مسا من المرض العقلي ” البارانويا ” الذي يأخذ شكل ” نظرية المؤامرة”. وإذا أراد هؤلاء ” العقلانيون” أن يثبتوا إيمانهم بالديمقراطية قالوا إن الديمقراطية هي الشرط الأساسي للانتصار في الحرب ، وكأن فرنسا لم تكن ديمقراطية عندما انتصر عليها جيش الديكتاتور هتلر، أو كأن الديكتاتور ستالين لم يكن من كبار المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.”
ويتابع الهاشمي قوله ” ويصل الأمر بهؤلاء ” العقلانيين” إلى امتداح الاحتلال، ولاسيما الاحتلال الأمريكي، وحجتهم في ذلك ان ألمانيا واليابان **قد تحسنت أحوالهما الاقتصادية بعد احتلال أمريكا لهما فترة من الزمن. والمشكلة في هذه ” الحجة” التي تتكرر إلى حد الابتذال أنها لاترى الاختلاف بين ” الحرب العالمية” و ” الحرب الاستعمارية”. ففي الحرب العالمية يكون الصراع أساسا بين دول استعمارية تتنافس على الهيمنة على العالم، ويكون الهدف لكل طرف في الحرب الحد من النفوذ السياسي للطرف الآخر وإرغامه على شروطه، وليس استعباده واستغلاله وإضعافه، كما هي الحال في الحرب الاستعمارية. كما أنه يحسن الالتفات في هذا الموضوع إلى مسألة الحرب الباردة واستفادة اليابان وألمانيا في ظلها من التنافس بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
ويواصل الهاشمي:” والذي نراه في هؤلاء ” العقلانيين” ثبات موقفهم وافتقارهم إلى التساؤل، واذا توصل بعضهم، في أحيان قليلة، إلى الاقتناع بأن روسما من الرواسم التي يرددها ليس صحيحا فإن ذلك لا يؤدي بهم إلى إعادة النظر في فكرتهم بل إلى الانزلاق من روسم إلى روسم آخر. فمن أين يستمدون موقفهم هذا؟.”
ويتابع الهاشمي شرحه ” بعد هذا الإجمال المقدم نرى، أن المشكلة في هذا التيار ليست مشكلة اقتناع عقلي بل هي مشكلة العواطف الراسخة في الطبع، فالعاطفة هي التي تشحن النفس بالطاقة وليس العقل، والعقل، كما يقول هيوم، عبد للعواطف. وقد كانت الفكرة القديمة هي أن الصراع الأساسي في الإنسان هو الصراع بين العقل والعاطفة، أو بالمصطلحات الفرويدية بين الأنا والهو”، “ولكن التحليل النفسي الأحدث يبين أن هذا الصراع هو بين نوعين من العواطف: العواطف الرافدة للحياة والعواطف الخانقة للحياة.
ومن المؤكد ان توجه أولئك ” العقلانيين” الاستسلاميين هو توجه غير انتاجي يغلب عليه أن يكون ” التوجه التلقفي”. هذا التوجه يشعر الشخص ان “مصدر كل الخير” هو في الخارج، وهؤلاء الناس باحثون على الدوام عن ” مساعد سحري” ويده التي تطعمهم، وإذا فهم المرء هذا الطبع بعمق استطاع أن يفهم لماذا يبحثون عمن يحقق لهم الديمقراطية بالنيابة عن أنفسهم، ولماذا يتلقفون تلك الرواسم عن الاحتلال ونظرية المؤامرة وما إلى ذلك بكل اندفاع؟ إنهم لا يختارون، بل يتقبلون ويستسلمون، ويدافعون عن استسلامهم وكأن هناك من سيختطف منهم ” مساعدهم السحري”.
محمود منقذ الهاشمي من مقدمة ترجمته، كتاب اريك فروم ” تشريح التدميرية البشرية”،
[عدا ان كليهما كانت متقدمة وامبريالية] .
اخيار النشر للاستاذ توفيق العمري