في الذكرى السنوية الحادية عشر لرحيله : تيار فضل الله والدور المطلوب اليوم | كتب قاسم قصير
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
قبل احدى عشر سنة رحل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تاركا خلفه إرثا كبيرا من المؤسسات الإجتماعية والتربوية والدينية والثقافية ، لكن الأهم من كل ذلك كان الدور الذي تولاه فضل الله في رعاية التيار الاسلامي الوحدوي والمعتدل والوسطي طيلة عشرات السنين من نشاطه الحوزي والديني والفكري والسياسي، وكان هناك رهان لدى الكثيرين ، انه بعد رحيل السيد ستقفل المؤسسات التي أنشأها وينتهي التيار الذي أسسه وأطلقه خلال خمسين عاما من النشاط المتنوع السياسي والفكري والديني والإجتماعي .
ورغم أن السيد فضل الله كان لا يحب ربط الحركات السياسية والدينية والفكرية بشخصية معينة او باسم ينسب لهذه الشخصية كالخمينيين نسبة للامام الخميني او الصدريون نسبة للامام موسى الصدر ، فان ذلك لا يمنع من القول أن هناك شريحة إسلامية وغير إسلامية تعتبر نفسها تنتسب لما يمكن تسميته تجاوزا : تيار السيد محمد حسين فضل الله.
تيار السيد محمد حسين فضل الله لم يتحوّل الى حزب او حركة سياسية تقليدية او مجموعة محددة من الشخصيات والناشطين في الساحة الاسلامية، لكنه تبلور من خلال تراث كبير من الأفكار والإطروحات الدينية والإجتهادات الفقهية والأراء الجريئة في نقد التراث والتاريخ الإسلامي، إضافة لنشاط ميداني واجتماعي وسياسي في لبنان وفي العالمين العربي والاسلامي، بحيث يمكن القول ان السيد فضل الله كان التجسيد الفعلي للتيار الوحدوي والوسطي الاسلامي طيلة خمسة قرون من نشاطه وحضوره ،بحيث أصبح المرشد الديني والفقهي لعشرات الحركات والتنظيمات والهيئات الاسلامية دون ان يتولى أي منصب قيادي او تنظيمي فيها.
كما يمكن ان نضم الى هذه الشخصيات المؤمنين بالحواري الاسلامي – المسيحي والديني – العلماني ، والاسلامي – القومي واليساري ، وكان الحوار هو النهج الاهم للسيد فضل الله ، وكان يردد دوما : الحقيقة بنت الحوار.
واليوم وبعد مرور احدى عشر سنة على رحيله ، تواجه الساحة الاسلامية في لبنان والعالم العربي والاسلامي تحديات كثيرة سياسية وفكرية تفرض علينا جميعا العودة لهذا التراث الكبير كي نواجه هذه التحديات ونحمي الوحدة الاسلامية والوطنية ونواجه دعاة التفتيت والفتنة والتقسيم.
تبنى السيد فضل الله خيار الوحدة الاسلامية والدفاع عن القضية الفلسطينية منذ اللحظات الاولى لاطلالته على الصعيد العام في خمسينات القرن الماضي من خلال القصيدة التي القاها في تأبين المرجع الراحل السيد محسن الأمين في بيروت ، وبقي حتى أخر لحظة من حياته وهو يحمل هم الوحدة وفلسطين، وقد دفع ثمنا كبيرا بسبب دعواته الجريئة لمراجعة التراث الاسلامي ورفض كل ما يثير الفتنة الاسلامية داعيا لتصحيح الكثير من المرويات التاريخية ، كما أنه واجه الكثير من الأطروحات الفقهية والفكرية التي وجد أنها لا تتلائم مع روح الدين الاسلامي وعقلانيته ومنهجيته السليمة والفطرية.
لم يكن يخاف في الله لومة لائم عندما يريد أن يصدر حكما او فتوى او يعبر عن موقف سياسي جريء او يصدر رأيا جديدا ، وقد اعلن رفضه الصريح لحرب المخيمات في ثمانينات القرن الماضي ووقف الى جانب الشعب الفلسطيني في لبنان ، ووقف في وجه الفتنة السنية – الشيعية، واعلن رفضه للحرب الأميركية على العراق عام 2003 معتبرا ان المعاناة من ظلم صدام حسين لا تجيز التعاون مع الأميركيين لإسقاطه ، ووقف في وجه القتال الشيعي الداخلي ، واصدر عشرات الفتاوى والمواقف من أجل تصحيح التراث الاسلامي ، وتحمّل الكثير الكثير دفاعا عن إستقلالية مواقفه السياسية والفقهية والفكرية.
ومن خلال كل هذه التجربة الاسلامية والحركية أنشأ السيد فضل الله التيار الاسلامي الوسطي والمعتدل والوحدوي والحواري دون ان يكون لهذا التيار أطره التنظيمية والحزبية، لكنه تبلور من خلال المؤسسات التي تركها ومجموعة كبيرة من العلماء والناشطين والتربويين والمثقفين الذين عايشوه وتتلمذوا على يديه وحملوا افكاره وإجتهادته ، وهو مستمر اليوم بعد مرور احدى عشر سنة على رحيله .
لكن في الوقت نفسه هناك حاجة ضرورية لتفعيل دور هذا التيار ونشاطه في هذه المرحلة الخطيرة سواء على الصعيد اللبناني او الفلسطيني او في مواحهة التحديات التي يواجهها العالم العربي والاسلامي والمسلمون في العالم، وإن كان نجله العلامة السيد علي فضل الله يحاول ملء هذا الفراغ مع اخوانه وعدد كبير من كوادر ومسؤولي جمعية المبرات الخيرية والعاملين في مؤسسات السيد فضل الله، ومن خلال إطلاقه ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار وشبكة الامان للسلم الاهلي ، فان المطلوب تفعيل هذا الحضور على الصعيد السياسي والشعبي واعادة بناء جسر التواصل مع جميع الهيئات والحركات الاسلامية والسياسية في لبنان والمنطقة، ولا بد من لعب دور فاعل لمواجهة الفتنة المتجددة في بعض المناطق اللبنانية وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية والسياسية والاجتماعية والامنية، اضافة للبحث الجدي في كيفية إقامة جسور التواصل والحوار للوصول الى حلول للأزمة الكبيرة التي يواجهها لبنان اليوم.
والوفاء القليل للذكرى الحادية عشر لرحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله تكون بإحياء دور التيار الاسلامي الوسطي والوحدوي والحواري والمعتدل عمليا ، فهل يتحقق ذلك؟
واين هذا التيار من كل التطورات والاحداث التي يشهدها لبنان والمنطقة؟
…في ذكراه يتجدد حضوره
فضل الله نموذج للانسان الحي بفكره
لا أستطيعُ أن أقول في ذكراك يتجدد حضورك وأنت حاضر معنا في كل لحظات التحدي التي نواجهها في يومياتنا .
لأنك معنا نفهم إسلامنا ذلك الفهم الاسلامي الذي ينظر للانسان أياً كان كأخيه الانسان .
لأنك معنا نعيش القران وحياً كما علمتنا فنقرأه رسالة من الله لنا ،ونتخذه خليلا وأنيساً.
لأنك معنا نفهم أن الدعاء ليس إتكالا بل توكلا على الله ،فهو حسبنا ،وهو ناصرنا وهو