حان الوقت الآن لمواجهة أنفسنا بالحقيقة
في ظل الأزمة الصحية العالمية وتداعياتها الخطيرة التي أثرت بالسلب على كافة الأنشطة والمجالات الإنسانية، فلعل السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا حاليا، هل سنستمر في تسيير أعمالنا من المنزل! قد يبدو الأمر قاسيا بالنسبة لقطاع التسويق العقاري بصفة خاصة، إلى جانب استمرار إفلاس العديد من الشركات الأمريكية الأخرى واحدة تلو الأخرى وانتشار البطالة على نحو كبير.
وقد أوضح استطلاع تم إجراؤه مؤخرا حول ظاهرة العمل من المنزل أن ثلاثة من أصل خمسة يفضلون استمرار ممارسة العمل من المنزل إلى الأبد، والسؤال الآن: هل سنعود يوما ما إلى مقر عملنا الفعلي!
ونظرا لأن الحكومة الفيدرالية لم تقم بالإعلان عن أية إجراءات رسمية بخصوص إنهاء إجراءات الغلق واستعادة الحياة الطبيعية، فقد ترك للشركات حرية اتخاذ القرار ووضع البروتوكول المناسب لكل منها لاستئناف أنشتطها من جديد. فعلى سبيل المثال قررت شركة تويتر إلزام موظفيها بالعمل من المنزل إلى الأبد. بينما اتخذت شركات أخرى نهجا معاكسا، فقد طالبت بعض شركات إنتاج الطاقة في هيوستن بالعودة إلى مكاتبهم قبل نهاية مايو الجاري.
ومن المؤكد أن التفاوت في تنفيذ الإجراءات سوف يجعل مسئولية الحفاظ على صحة العاملين رهنا للقرارات الخاصة بكل شركة، وعلى الأرجح فقد يكون إجبار الموظفين على العمل خلال تلك الأزمة الوبائية أمرا غير قانوني. وقد ناقشت إدارة الصحة والسلامة المهنية (OSHA) تلك القضية الهامة، ومن المفترض أن تكون القواعد الفيدرالية التي تتخذها الإدارة، لها الأولوية على قوانين الولاية ذاتها. ولكن التخبط الواضح وعدم الشفافية على صعيد القرارات الفيدرالية قد تتسبب في إحداث فوضى حقيقية.
ولكن من الواضح أن هناك بعض الأعمال التي لم تتمكن من التكيف مع سيناريو العمل من المنزل، فقد استمر العاملون في بعض المجالات كالقطاع الطبي والزراعي والاتصالات وعدد من الصناعات من مواصلة أعمالهم كالمعتاد. في حين توقف الكثيرون غيرهم ولجأوا إلى إتمام أعمالهم من منازلهم وكانت السمة الأساسية للعمل عن بعد هي عقد الاجتماعات عبر منصة زووم للفيديو، ففي ديسمبر من العام 2019 حظي التطبيق بمليون مشارك جدد وارتفع هذا العدد إلى ثلاثة ملايين في أبريل من العام 2020 ولعل في ذلك دلالة كبرى على أن الناس قد وجدوا طريقة أخرى لمواصلة أعمالهم، فلماذا علينا العودة إذًا إلى مقرات العمل الفعلية!
قد يبدو إلزام عدد من الشركات موظفيهم بالعودة إلى مكاتبهم أمرا سخيفا في ظل تلك الظروف الاستثنائية. فلما لا نأخذ العبرة من المدارس والجامعات والتي قررت استئناف فصولها الدراسية افتراضيا دون أية عودة فعلية للطلاب. وعليه فإن بقاء الأطفال في المنزل في المستقبل القريب يعني بالضرورة ملازمة الآباء لمنازلهم ومواصلة أعمالهم عن بعد.
ومما يمكن ملاحظته في هذا السياق أيضا؛ الاستجابة البطيئة من قبل بعض المؤسسات الكبرى التي لا تتقبل فكرة التغيير بسهولة، وذلك نظرا للكتلة البشرية الضخمة العاملة بها والتي قد يصعب معها تنفيذ بعض الأفكار الجديدة. ولكن المنطق هنا يقول أن التخلص من مساحة مكتبية داخل مؤسسة ما قد يساعد على اكتساب قدر من المرونة والابتكار في الاستجابة للمتغيرات الجديدة والظروف الطارئة.
لقد حرصت شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم على توفير أفضل سبل الراحة ووسائل الترفيه كطاولات التنس لتشجيع الموظفين على العمل، ولعل شركة أبل الامريكية هي خير مثال على ذلك. ولكن ها نحن جميعا مضطرون إلى العمل من منازلنا، لقد حدثت تحولات جذرية في فترة وجيزة لم نكن نتصورها أبدا. وقد كشفت دراسة تلو الأخرى أن العمل من المنزل يجعل الأشخاص أكثر سعادة وكفاءة وإنتاجية.
وثمة فائدة أخرى تعود على صاحب العمل من فكرة العمل عن بعد، فهو قادر الآن على توظيف من يشاء في اي مكان في العالم دون التقيد بالموقع الجغرافي للمؤسسة. ولعل هذا يصب في مصلحة العاملين الذين كانوا مضطرين إلى استئجار شقق سكنية باهظة الثمن، فقط لأنها قريبة من مقر العمل. كما أن صاحب العمل يستطيع الآن استقطاب المهارات المختلفة التي يريدها دون القلق من فكرة كيفية انتقال الشخص المرشح للوظيفة.
ولكن بالرغم من ذلك كله، فلازالت هناك بعض الشركات التي لا تتمكن من إتمام جميع أعمالها عن بعد مثل شركة أبل والتي تحتاج إلى إعادة عدد من موظفيها إلى مكاتبهم. فمن المتوقع أن تحاول شركات التكنولوجيا الكبرى تحقيق المعادلة الصعبة والموازنة بين الأمرين. فربما تلزم النسبة الأكبر من العاملين بالبقاء في منازلهم بينما تطالب الآخرين بالعودة.
لازال هناك من يجادل بأن تحقيق الصورة الذهنية والسمعة الطيبة للشركة لن يتحقق سوى من خلال التواصل والتفاعل بين اعضاء فريق العمل، ولكن في ظل تلك الظروف الاستثنائية فإن العودة المحتملة إلى مقرات العمل ستكون محفوفة بالإجراءات المشددة كفرض التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة الطبية، ومن ثم فإن بيئة العمل البائسة الجديدة لا ينتظر منها أن تسهم في بناء سمعة المؤسسة ولا تحفيز الأفراد على الابتكار.
ولأن الأمر لازال مرهونا بظهور علاج أو لقاح جديد لمكافحة وباء Covid-19 فلا يتعين علينا التفكير في العودة إلى مقرات العمل. كما يجب على الشركات الأخرى أن تحذو حذو تويتر وتتيح لموظفيها خيار العمل من المنزل حاليا إن لم يكن إلى الأبد.
رابط المقال اضغط هنا