إذا أردت أن تكتب اكتب، ما يمنعك ؟ هو فقط الإلهام، ولا شيء غيره، فأنت إذن الكاتب و لن أعلّمك كيف تكتب ! لا تكتب مثلهم كل يوم كل ساعة كل دقيقة، تلك ليست كتابة ف النصوص الجميلة لا تأتي في كل آن !
فقط قبل أن تكتب فكر أن ما تكتبه هو رشفة ماء في منقار الطائر الرنان الذي أراد أن يساعد في إخماد تلك النار، الكتابة يجب أن تحمل كما من الجمال والإيجابية، ليس ضروري أن تكتب في كبار المجلات حتى تسمى كاتب فقط عليك أن تعطي نفسا من الهواء النقي للقارئ قبل أن تكون الكتابة متنفسا لك .. و أنا أكتب في هذا الموضوع بالضبط وجدت مكاني في زاوية تلك الجريدة قد أخذه كاتب مشهور معروف عليه الإنضباط فانا قد تخلفت عن الموعد لست منضبطًا،لأني كاتب عشوائي ولا يكتب أي شيء في كل حين، قلت ربما هذا ما يحتاجه رئيس التحرير، فهو لا يريد أن تبقى الزاوية فارغة،تحتاج من يكتب أي شيء المهم أن يملأ الفراغ، لكن هذا الشرط في العقد الكتابي لا يتماشى و فن الكتابة و طريقة كتاباتي!
الكتابة لا ترضخ إلى شروط الوقت، الزمان فيها مختلف، لكن مكانها هناك في الزاوية وقته تابث، فكيف أفعل وحتمًا أنا سأخالف وسأتخلف عن الموعد، و إلا لن أكتب شيئا كما أريد لأن شروط الكتابة هي الحرية أولا حرية عقلك و تفكيرك، فأنت لا تتحكم في موعد الإنزال إنزال الأفكار وباللغة والتعبير الذي تريد و هذا مايسمى “الإلهام”، وإن قلت العكس فانت لست كاتبًا مهمًا بغض النظر عن المجلة المهمة، إلهامك كيان مستقل وحر و يأتيك متى شاء، إن لم تكن حرا تماما و هو حر كذلك لن تكتب شيئا مهما و هكذا…
أعود إلى الموضوع، المهم حين تكتب دونه أكتب عن الواقع بشكل أنيق، لأننا كلنا يعرفه، أكتب عندما يغدو الصمت الطريقة الوحيدة في النقاشات المكهربة، فكيف ستكون كلماتك التي أطبقت على الصمت يجب أن تجعل الجو لطيفا و أكثر هدوء، فماذا ستكتب؟ أكتب أي شيء غير ذلك الذي شحن الجو و جعله مضطربا ضع بصمتك الجميلة في الموضوع ب إشارة إليه مستهزئة، لا تكن جادًا أكثر من جدية الموضوع، دع نبرة السخافة لتعيد القطار إلى سكته، أنت حينها لم تعد كاتبا و حسب في هذه اللحظة بل أكثر، ستجد بعدها أن ما كتبته هو الحل، أكتب و كأنك طفل صغير يناقش سياسيًا فاسدًا، لا تلمه على ما يفعل، ولا تطلب منه أن يفعل و لا تحمله المسؤولية على ما فعل، لأنه في التحري ستجد نفسك متورطًا في بضع كلمات وجمل لا تجدي شيئا، و لن تكشف كلماتك عن الحقيقة و يثبت التقصي أنك أنت الملام و قد أردت فقط أن تقول كفانا ! أكتب ليشعر القارئ بالسعادة بعد أن يقرأ لك، لا تكن كاتبا مستبدا برأيك، كما توحي صورتك، أنا هنا أظلمك ! لكن دع في كتابتك مجالات للحرية، و لا تغلق الأقواس فيعود نصك سجنا آخر على غرار ماكتبته عن واقعك و التفاهة و كل أنواع السلبيات ! على فكرة كل ماتكتبه القارئ يعرفه، فما جدوى كتابتك إذن ! إيه فهمتك فهمتك كما قال المؤثر، تريد أن تصبح مشهورا أكثر من الشهرة، لكن على الأقل أكتب ك شوبنهاور وهو المعروف عليه بسنفور غضبان ! و كلما تقرأ له عن فكرة كيفما كان مزاجك سيصبح سيئا، تقول ما هذه الحياة ؟ إن لم تكن الكتابة فن و السياسة فن، لن يتغير شيء في كل المجالات الأخرى، لأن الأزمة الأعمق كما كنت قلت أكثر من مرة هي أزمة تفكير،أزمة غطرسة آراء، أزمة نرجسية الأنا، أزمة إنسان، إنسان لا يبالي بإنسان، إنسان خالي مشاعر، ببساطة دع التعبير عن الواقع للقارئ و أنت الكاتب أكتب بشكل مخالف، بشكل يجعل تعبير القارئ يتغير، تعبير ربما يرى النور لأول مرة بفضلك، لأننا أولا و قبل كل شيء كيف تعلمنا الكلام و الحديث و الصمت، و كل الألفاظ المتداولة الآن، لم تكن من قبل، تعلمناها من الكتاب، من النقاد،من الأساتذة،من الشارع منك أنت ! و حين تعلمنا كل هذا هل تعلمنا فن الإصغاء و الإنصات و فهم الآخر.
كان يجب أن يكون كل ذلك متوازنا،و اليوم نضيف إليها جملة ألفاظ و كلمات أخرى هي قواميس لغة و مخارج نطق و عددها أكبر و يتسع بنسبة تفوق كل ما تعلمناه من قبل فقط من الهاتف من وسائل التواصل الإجتماعي وجه الكتاب، تيك تاك و وات صب ! جيل اليوم يأخذ كل تفاصيل حياته منها،فكل أوقاته مرتبطة بها ! تعتقد أنه لا يقرأ لك، بالعكس،قرأ لك و مر ! وجدك تافها في كتابتك لأنها لا تساير ما يحتاجه ! و هو على حق، لأنك كتبت دون إلهام، لذلك لم تلهمه، فلم يأخذ منك شيء إضافة لقاموسه اللغوي … حين تود أن تكتب أكتب لنفسك أولا كما تنظر إلى المرآة فترى فيها ذلك القارئ، ما يحتاج أن يقرأه و مايريدك أن تكتبه لكن بشكل مميز فيه الجمال، تعبير مفعم يحيي الروح، أكتب عن كل هذا وذاك و كل مايحدث ف أنت الفنان لكن بشكل متسامح، أكتب عن رأيك في الموضوع كأنك تبتسم أمام المرآة و تتمعن النظر في بؤ بؤ عينيك لتجد شخصا آخر فيك و تضحك، هكذا يكون لكتاباتك فضاء كبير لكل القراء، أليس غريبا أن تجد الصفحة الرسمية للثقافة ليس لها معجبين، هل لأن روادها كتاب أم سياسيين ؟