اجتماعالاحدث

سِماتٌ خَمسٌ وإشاراتٌ خَمسٌ لمبدَإِ انهيارِ الدولة | كتب البروفسور بيار الخوري

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

السِمةُ المُشتَركة لانهيارِ الدولة هي فاعليةُ الدولةِ المَعنية، سواء كانت حديديّة أو ناعمة، متآمرة أو عاجزة فقط، في تدمير القُدرات التنظيمية والتجديدية للمجتمع من خلال القمعِ او الإهمال.

تلك هي السِمة الأولى من خمسِ سِمات حدّدتها دراسة، صدرت عن جامعة “جونز هوبكِنز” الأميركية في العام 1995 تحت عنوان: “تفكّك واستعادة السلطة الشرعية”، حول أسبابِ تفكّكِ الدُول وطُرُقِ استعادةِ السلطة، والتي استندت إلى تجاربِ بعضِ الدول الأفريقية بعد الاستقلال إمتداداً حتى التسعينات الفائتة.

ويتّسم انهيار الدولة بفقدانِ السيطرة على الفضاءَين السياسي والاقتصادي حيث يتوسّع الأوّل خارج الحدود القانونية لمُمارسة السلطة، فيما يتراجع الثاني باستمرارٍ بحسب السِمة الثانية.

وتُشيرُ السِمةُ الثالثة إلى أنّه رُغمَ أن انهيار الدولة ليس حتمياً فهو أيضاً ليس ظاهرة قصيرة الأمد، بل هو عملية انكسارية طويلة الأجل.

ولأنه لا قعرَ نهائياً للانهيار لا توجد عتباتٌ أو نقاطٌ مُحدَّدة للانهيار. يترافق ذلك مع ضآلة فُرَص الحصول على سياسات رشيدة مناسبة.

وتختم السِمة الخامسة بفقدان تركيز انتباه الحكومات على خطورة المشكلة إلى أن يفوت الأوان، ويصعب عندها تنفيذ تدابير وقائية.

هناك إشاراتٌ خمسٌ أيضاً لانهيارِ الدول تتبع وتُوافق السِمات الخمس المذكورة أعلاه، أوّلها انتقال القوّة إلى بدائل الدولة المركزية عندما تتقاتل قوى السلطة ضمن السلطة، وتصبح قوى الأمر الواقع المحلية جاهزة للإستيلاء على وظائف السلطة المركزية (أمراء الحرب في أفريقيا).

يتبع ذلك إشارة فقدان الحكومة المركزية لقاعدة سلطتها، حيث لا تعود تهتم باحتياجات قواعدها الإجتماعية، التي تعرض بدورها عنها.

تُركِّزُ الدولة بدلاً من ذلك على دائرتها المُقَرَّبة، والتي تؤدي مصالحها إلى تحويل المُخصّصات بعيداً من مصادر الدعم الإجتماعية الأوسع.

الإشارة الثالثة تتمثّل بتجنّب الخيارات الضرورية، ولكن الصعبة، مُحاباةً للمُقرَّبين. ونتيجة لذلك، فإن مثل هذه الإجراءات تزداد إلحاحاً وتزداد صعوبة، وتواجه الدولة بأزمة حكم.

عند هذه اللحظة تُمارس الحكومات السياسات الدفاعية فقط، مع التركيز على الإجراءات الإجرائية بدلاً من التدابير الموضوعية. أجندات سياسية كثيرة وبرامج غائبة. (الاشارة الرابعة).

أما الإشارة الأخيرة فهي تُشكّل علامة الخطر النهائي قبل التحلّل عندما يفقد المركز السيطرة على وكلائه الحكوميين، الذين يبدأون العمل لحسابهم الخاص للنجاة بأنفسهم ومصالحهم وعائلاتهم.

لا يُمثّل الإنهيار اللبناني إستثناءً رُغمَ اختلافِ طبيعة التكوين الجيوسياسي والاجتماعي – الاقتصادي عن دول أفريقيا. إن مراجعة السِماتِ الخمس والإشارات الخمس يتوافق إلى حدِّ التطابق مع مسارِ الإنهيار اللبناني.

بل إن حجم القوى المُتدخِّلة في الصراع اللبناني ربما يفرض انهياراً مُدوّياً لم تشهده دول أفريقيا، خصوصاً في ظل اللعب على المكشوف في استتباع القوى الداخلية للمراكز الخارجية ضمن شبكة شديدة التعقيد.

وحده الرهان على وعي الفئات الأكثر نضجاً والأقل استتباعاً لمشاريع إمارات الحرب قد يُميّزنا عن مصير القبائل والمجموعات الأثنية الإفريقية في أواخر القرن الماضي.

إنهيارُ الدول هو شكلٌ من أشكالِ إدارة السلطة، والحفاظ على مجموعة المصالح ضمنها، حتى حين تبدو هذه القوى على عداءٍ شديد.

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى