اجتماعالاحدث

دلال قنديل تقرأ في منزلٍ عائم فوق النهر لزينب مرعي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

منزل عائم فوق النهر رواية زينب مرعي “دار نوفل”

شفافة ساكنة كماء النهر المثقل بالموت والجسد المتهادي الى الأعماق تنساب اللغة بلا عناء،لا تشبه سرديتها الإرباك الذي تحملنا اليه شخصياتها المتشابكة بالتنافر والتطابق ومتلازمة الكره بين الام وإبنتها والأخت وشقيقتها بدافع التمايز وفعل التفضيل الأمومي تارة و فعل الإهمال والإنشعال الأمومي بالذات أو بتلك الحرب بين رجلين على إمرأة تداري علاقتها بالتوازن بينهما الى ان تفقدهما معا دون أن تدرك جينات ابنائها حتى النهايات .

قلق متزايد يتسرب بطرق وعرة الى عالم واقعي يماهي الخيال للراوية ليلى الجيل الثالث لسيدات الجدة بديعة والوالدة فاطمة لم يولدن للسعادة كما تقول ليلى التي تستجلب رفيقاً وهمياً تعتاش على دعمه كالحبوب المهدئة التي أدمنتها لتجاوز حالات الهلع والمعارك كافة مستندة الى زوج متفهم بحدود يتغاضي عن أزماتها وتاريخها المجهول حد هجرانها قبل إستدراجه اليها من جديد.

حروب لا تهدأ تتقلص دوائرها ليست قريبة من سرد نسوي لتسلسل الخرائب العائلية لسلالة نسائية، الكاتبة إحدى حلقاتها. إتسمن بقوة المرأة المتحكمة او المستبدة أحيانا أو المسكونة بالخوف بالإبتعاد عن الإهتداء الى الأمان والتوازن مع المحيط والإستناد الى الآخر للتعكز عليه بمجاراة الحياة ومواجهة مصاعبها حتى إختارت ليلى الراوية لعذابات الحروب المتعددة إختراع شخصية شيرو الوهمية لتشاركها أسرارها الدفينة وليس أقلها الشرشف الأبيض طافياُ فوق مياه النهر الذي لفت والدتها جسد شقيقتها -بانة – المنتحرة ككابوس يضيء الليل في جفونها .

خواتم الرواية كسرت الحلقة بإبداع ليلى لمسرح المواجهة مع والدتها التي لم تكن الإبنة المفضلة لديها وبدلا من تلبية طلبها بإحضار زوجها ، من طهران ساحة هربها، الى بيروت مدينة عذاباتها حيث تركن والدتها في مستشفى الأمراض العصبية بدلا من السجن بسبب تعديها على زميلة في العمل.

نبشت ليلى خيالات والدتها وأعادت اليها الحياة كورقة كُويت بعدما علكها الزمن إستدرجت والدها بعد قطيعة بينهما للكلام عن عشيق والدتها نفضت الغبار عن شخصية المغني العاشق مروان الفالح ودفعته لزيارة المصح ومواجهة فاطمة الوالدة المستبدة الضعيفة أمام حكاية حبها الضائعة لتشهد الصحافة على جنونها فتعود الى عزلتها وزاوية سريرها بعينيها الواسعتين المذهولتين ..

ليلى التي لم تنجب لتنجو من حكايات إضطهاد النسوة لبناتهن في السلالة المنكوبة تركت روزنامة عادتها الشهرية مفتوحة على الغياب لتعداد الحمل لتفيض بجزء غير يسير من أسرارها لزوجها بنيامين وتترك خلاصة لتقوي جدارها الذاتي بمساحاتها الخاصة بعد إنتهاء المبارزة برفض وجود طرف ثالث بينهما حتى لو كان نبتة يتوزعان الإهتمام بها في شقة صغيرة تنخرها الفوضى تتفنن ليلى بإضفائها عليها تاركة شيئاً من العبث على المساحات المنظمة دافعة اليوميات الى مرتبة التمجيد إن لم نحسن تخريبها ولو الى أجل قصير للوقت المتاح.. قبل أن نجد من يضفي بسحره إعادة هيكلتها..

تلك الصور المزدحمة بالإحجيات لشخصيات مركبة بدقة تعلو مرتبة الرواية الى ما يشبه السيرة المتخيلة تتركنا مربكين بإعادة تموضعنا تجاه شخصياتها المتناحرة أو المهزومة بإنتصار الذات على خرائب الحياة بإستلال السيف على نقاط الضعف ونحرها ليستقيم الجلوس على نقطة إرتكاز لا تهزها الكوابيس ..فهل نجحت ليلى وهل ننجح بإلتقاط المغزى السردي المفعم بقلق يقف على شفير هاويةّ؟
إذا ما نظرنا للخلف برهة لماض يكرر نفسه بأسماء،متنوعة وسحنات متشابهة القسمات ، بنظرات مُستنفرَ ة ، لمعركة محتومة بأن نكون القاتل او القتيل او كلاهما معاً الضحية والجلاد كحال بطلات الرواية .

تمضي نون النسوة بعين ثاقبة مفتوحة كتلك التي رافقت اسطورة قابيل وهابيل للنجاة من القاتل بقتله المتعمد في داخلنا المضطرب الممتلىء بالتناقضات..
فهل تنجينا المواجهات ؟
مهلا قبل ان نغلق الصفحة الأخيرة بضع وريقات بيضاء كأنها تركت لا لخطأ في تعداد الملازم الورقية قبل الطبع بل لإضفاء خاتمة تملأ بالحبر بياضها ..زودني كاتب عارف وناقد عريق بنسخته محملة بإشارات وعلامات بحبره الحاد رافقت صفحات الرواية كأنها قفل عُلق بمفتاحه من قال ان النص ينتهي بإجابات ..
حياة اخرى الكتب تُدخلنا متاهاتها بالأسئلة وهل من جدوى للقراءة إن لم تكن كذلك؟

دلال قنديل ياغي، اعلامية وكاتبة في الادب السياسي والاجتماعي

رئيسة تحرير في تلفزيون لبنان؛ اعلامية مخضرمة ومذيعة ؛ في رصيدها عشرات المقالات في صحف ومجلات ومواقع الكترونية اخبارية محلية وعربية كما عملت في الوكالة الوطنية للاعلام والوكالة الصحفية. اعدت وقدمت عددا من البرامج في السياسة والقانون والثقافة والاعلام والعمل الاجتماعي كما وعملت كمندوبة لتلفزيون لبنان في رئاسة الجمهورية في التسعينات وقامت بتغطية قمم عربية واعتداءات اسرائيلية منها عدوان نيسان ٩٦ وعدوان تموز ٩٣ وعدوان ٢٠٠٦. كما غطت بجرأة استثنائية تحركات الجيش اللبناني والمواجهات مع المنظمات الارهابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى