حكيم من حكماء هذه الأمة الذين اصبح وجودهم نادراً، غادرنا بقلب مفعم بالحزن على ما اصاب هذه الامة من وهن، وتخلّف، وفرقة، وتشتّت، وجهل، وبطالة وفقر، إنه المغفور له الراحل الكبير د.خير الدين حسيب.
آمن بعروبته وعمل لها من المهد الى اللحد، واعتبر ان كل فرد من افرادها مسؤولٌ عن وحدتها، ونهضتها، وحريتها. وان على اهل الفكر منهم مسؤولية وضع الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية مع آليات تنفيذها التي تخدم الامة وتقدمها، فكان لهم مع الراحل شرف المساهمة في كل ذلك.
انطلاقاً من هذا الايمان لدى هذا القائد القومي الفذّ، عمل على انشاء المؤسسات والمنظمات الفكرية العابرة للدول العربية من المحيط الى الخليج باعتبارها الطريق الاكيد للوحدة اذا لم يكن احد عناصرها الرئيسة.
استطاع الراحل العزيز تجميع القامات والمرجعيات الفكرية العربية الوحدوية التي تتطلبها هذه المسيرة وما تتطلبه ايضاً من امور مادية وفّرها رجال الاعمال العرب رفاق الدراسة والمؤمنين بقضايا امتهم، وإن نتائج الاعمال شاهدة على ما نقول في مشروع النهوض العربي، وما عقد من مؤتمرات وندوات ومحاضرات وما نشر من كتب هذا عدا ما قام به الراحل من اتصالات لصالح القضايا العربية، وهذا النوع من الرجال قلّ نظيره لاسباب متعددة لا بد من معالجتها حتى لا يقع العمل الوطني والقومي فريسة المال المشبوه الذي يخدم مخططات اعداء الامة.
بإختصار وبفخر كان المغفور له من صنّاع النهضة العربية، وحماة الحق الفلسطيني باستعادة الارض السليبة، وصوت الاحرار في الامة، وكان من مَنْ يعتبر نفسه مسؤولاً عن الامة في كل يوميات عمله، والقيادة عنده اساسها الاخلاق، والنزاهة والالتزام والاصالة والاستقامة، واحترام القانون والنظام، وحب العمل والدقة، والاتزان في التفكير الموضوعي، وحمل المسؤولية وحسن التخطيط والتنفيذ، وصلابة الارادة، والمثابرة، والعمل المؤسساتي للوصول للانجاز المطلوب.
مقاومٌ على كل المستويات، شخصيةٌ لا تقبل بالتقصير او التسويف او الغلط، المساءلة والمحاسبة عندها لأقرب المقربين قبل الأبعدين في كل الشؤون العامة والخاصة.
“كان العقل حُسام” عند الراحل الكبير كما جاء على لسان امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب، “ولم يكن يقنع بدون النجوم” كما جاء على لسان المتنبي.
هذه المواصفات دعت الزعيم جمال عبد الناصر لاختياره احد الامناء لتنظيم “الطليعة العربي” الذي انشأه قبل رحيله الى دنيا البقاء.
تغمدك الله ايها الراحل الكبير برحمته، وانزلك منزلة الصديقين والابرار، نمْ قرير العين، وسنتابع المسيرة التي ارسيتها مع القامات الراحلة التي عملت بقيادتك، وسنتابعها مع المناضلين المؤمنين برسالتك العروبية الوحدوية المقاومة.
نرجو الله ان يلهم عائلتك الكريمة برحيلك جميل الصبر والعزاء.