لم يكن ممكنًا أن تذكر اسم سميح البابا إلاّ وتذكر معه اسم صرح ثقافي كبير، هو النادي الثقافي العربي الذي ولد مع الاستقلال عام 1943، وفعالية ثقافية كبرى انطلقت من بيروت عام 1958 لتضيىء في الوطن العربي كله، وهو معرض الكتاب العربي وقد أصبح أيضًا معرضًا دوليًا.
فالنادي الثقافي العربي الذي كان سميح البابا واحدًا من شخصيات فكرية وسياسية عربية تعاقبت على رئاسته مع برهان دجاني،مروان نصر، حسني امجذوب، وليد الخالدي، وعصام عاشور، وجوزيف مغيزل،، وفؤاد السنيورة،محمد قباني، عصام عرقجي، عمر فاضل، وفادي تميم، سلوي السنيورة،وحاضرت فيه شخصيات لبنانية وعالمية، كان عالم سميح البابا منذ خمسينيات القرن الماضي، وكان بالنسبة لي شخصيًا أول منبر ثقافي عربي يفتح أبوابه أمامي لأتفاعل من خلاله مع حركة قومية عربية في أيام مدّها في زمن الستينيات.
أما معرض الكتاب العربي الذي ستشهد بيروت افتتاح نسخته الرابعة والستين بعد أيام، فقد كان رائدًا في فكرته وحافزا لقيام معارض مماثلة في العديد من العواصم العربية، فهو لم يكن مجرّد قاعات تعرض فيها دور النشر إصداراتها فحسب، بل كان أيامًا ثقافية كاملة بندواتها ومحاضراتها، وقد كان أيضًا بالنسبة لي هو أول فعالية ثقافية قومية أشارك في تنظيمها وإعدادها أعوام 1959 و 1960 و 1961، تحت إشراف هذا العقل التنظيمي والإداري المميّز الراحل سميح البابا.
وحين اخترناه في المنتدى القومي العربي، الذي انطلق من “دار الندوة” عام 1992، ليكون عضوًا في مجلس أمنائه، كان ذلك تقديرًا من مؤسسي المنتدى للدور القومي الهام الذي جسّده هذا المناضل الذي كان من أوائل من ساهموا في إطلاق حركة القوميين العرب في بيروت، كعمر فاضل وصالح شبل ومحسن إبراهيم، ومحمد كشلي، ومصطفى بيضون، ومنير منيمنة، وحسني المجذوب، بالإضافة إلى أمّثالهم في طرابلس وصيدا وصور وبعلبك والبقاع الغربي وإقليم الخروب والمخيمات الفلسطينية كأبي ماهر اليماني وأبو عدنان عبد الكريم حمد قيس.
من هنا، وحين نودع سميح البابا اليوم كرمز من رموز عاصمة الثقافة والعروبة والمقاومة والحرية، فانما نودّع رجلًا يتجاوز العقد التاسع من العمر ولكنه لم يعرف التعب يومًا، ولم يدخله اليأس لحظة، بل كان أحد حراس الثقافة والعروبة الحاضر دومًا في كل ندوة أو مؤتمر أو ملتقى أو معرض ثقافي في خدمة لبنان والعروبة.
رحمه الله