اجتماعالاحدث

“عجائب الدنيا السبع” الجديدة | بقلم هنري زغيب

درجَت محفوظات التاريخ على حفظ سبْع عجائب بنيانية من العصور القديمة، بينها الطبيعيةُ، وبينها ما تدُلُّ على عظمة الإِنسان. وجميعها شاهدةٌ على هيبةِ حضاراتٍ كانت لها في عصرها. ومع تَوالي العصور، لم تَبقَ منها إِلى اليوم إِلَّا واحدة فقط: أَهرام الجيزة، وتحديدًا الهرم الكبير الذي يستقطب سنويًا ملايين السيَّاح من جميع بلدان العالم.

سوى أَن تَوالي الحضارات، منذ التاريخ القديم حتّى اليوم، أَظهَر مع تقدُّم العصور عجائبَ بنيانيةً جديدةً، أَختصر منها سبْعًا في هذا المقال تُظهِر التراث الراقي الذي خلَّفتْه للأَجيال تلك الحضارات.

فما هي هذه العجائب السبع الجديدة؟

1- “تْشِتْشِن إِيتْزا” – المكسيك

هو أَثَرٌ مقدَّس رائع في شبه جزيرة يوكاتان (عند الجنوب الشرقيّ من المكسيك بمحاذاة بيليز وغواتيمالا)، يرقى إِلى حضارات الـ”مايا” السحيقة القِدَم (من نحو 1500 سنة ق.م. حتّى نحو 800 سنة ميلادية). والأَثر هو في شكل هَرَم عالٍ يُدعى “القصر”، يدلّ على التطوُّر الطليعيّ الذي كانت عليه حضارة الـ”مايا” من هندسةٍ جميلةٍ في زمانها. وفي قلب هذا الهرَم العالي معبدُ “كوكولكان” العالي، ويُرقى إِليه بدَرَجٍ مزدوجٍ مرتفعٍ جدًّا مصمَّمٍ كي يتوازى معه اعتدالُ نور الشمس بين الليل والنهار، ما يُشير إِلى إِنجازات حضارة الـ”مايا” في علْم الفلك.

2- “تاج ماهال” – الهند

هو رمز الحبّ (يسمى تقليديًّا “تاج محل”). أَمَرَ بإِنشائه الأَمبراطور الماغولي شاه جاهان لتخليد زوجته الثالثة ممتاز أَكبرأَبادي ماهال، وكان يحبّها في شغفٍ كثير. وهو ليس مُجرّد ضريحٍ رخاميٍّ أَبيضَ جميلٍ، بل دليلٌ على الفنّ الإِسلامي المتطوِّر في الهند. يستقطب ملايين السيَّاح كلّ عام، لمشاهدة هذا الرمز الراقي للحب التاريخي الراقي.

3- كولوسيوم روما – إيطاليا

هو رمز ضخامة روما الأَمبراطورية. كان داخلُهُ ساحةً للصراعات الحيوانية في حضور جمهور كثيف من آلاف المتفرّجين على الأَدراج. تمَّ بناؤُهُ في القرن الميلادي الأَوّل على عهد الأَمبراطور فسباسيان، وما زال حتّى اليوم من أَبرز آثار روما التاريخية والسياحية والهندسية والثقافية، ويستقطب إِليه الملايين من السيّاح كلّ عام.

4- ماتْشو بيتشو – البيرو

حَرَمٌ واسعٌ ذو مرتفعات وطبقات عدّة، معلَّقٌ عاليًا عند إِحدى قمم جبال الآنديز في البيرو. كان المكان مقرًّا مَلَكيًّا ومعبدًا خاصًّا للأَباطرة في أَمبراطورية الإِنْكا. مبنيٌّ كاملًا بالحجر المقصوب الجميل ويستقطب سنويًا ملايين السيَّاح الذين يجولون فيه متأَمّلين عظمة الحضارة أَيام الإِنكا.

5- المسيح المخلِّص- ريو دي جانيرو- البرازيل

تمثال شاهق على قمّة جبل كوركوفادو الشاهقة، يشرف منها على مدينة ريو دي جانيرو. وهو لم يعُد رمزًا دينيًّا وحسْب، بل غدا من زمانٍ مَعْلَمًا سياحيًّا وثقافيًّا فريدًا بشكله في العالم. صمَّمَهُ النحّات الفرنسي بول لاندوفْسْكي وأَنجزه سنة 1931، ويُرقى إِليه على أَنه رمز السلام ومرنى المسيحية في البرازيل. من هنا هيبَتُهُ في الإِطلالة بذراعَيه المفتوحتَين على الميناء في المدينة.

6- سُوْر الصين العظيم

هو سورٌ عالٍ يمتدّ نحو 13 أَلف ميل (نحو 21 أَلف كيلومتر). بُنِيَ أَساسًا حمايةً دِفاعيةً لِصَدِّ الهجمات على الصين. استغرق بناؤُهُ من القرن الخامس قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر الميلادي. يعتبَر فريدًا من نوعه في العالَم بتصميمه الهندسي رمزًا لما يُمكن السكَّان أَن يبلُغوه من ضنى فائق التصوُّر لحماية أَراضيهم.

7- بترا- الأُردن

هي مدينة قديمة محفورة بكاملها في الصخر الأَحمر وسْط الصحراء في الأُردن. كانت ذات فترة عاصمة المملكة النبطية. يتجوَّل فيها السيّاح عبر ممرّ ضيِّق في فتحة محفورة بين شاهقَين حولَهم، بلوغًا إِلى الخَزْنة الشهيرة، وهي معبد ذو واجهة مزخرفة إِغريقية الهندسة، يشكِّل في ذاته مَعْلَمًا خاصًّا بين معالِمَ أُخرى شبيهة في ذاك الحرَم.

رحلة في الزمان

هذه العجائب السبع ليست مُجرَّد شواهد من الماضي، بل هي جُسُور تساعد على فهم البطولة البشرية القادرة على تحدّي محدوديات المكان، واستباق التكنولوجيا الحديثة العصرية اليوم. ففي كلٍّ من تلك المعالم نافذةٌ باهِرة على الحضارة المختلفة التي بَنَتْهُ في عصره، وعلى ما يقدِّر أَمرَه زوَّاره اليوم من صعوبة إِنشائه في زمانه.

هذه العجائب لا تدلُّ فقط على الإِنجازات التاريخية والثقافية والسياحية، بل الأَهمّ: على كنوز التراث العالَميّ في أَقطار الدنيا. من هنا أَن زيارتها هي قراءةٌ مباشرةٌ في صفحات التاريخ البشريّ، وفي الحضارات المتعدّدة التي عرفَها كوكبُنا. وهي باقيةٌ إِلى أَيّامِنا مَعالِمَ وعلاماتٍ من أَعلامٍ بَنَوها شواهدَ على قدرتهم في كل حقل معرفيّ، وأَغنَوا بها عالَمنا المعاصر. فكلُّ مَعْلَمٍ من تلك السبعة، سُطُوع إِنجازٍ بشَريّ عظيم بهندسته وفكرته ووظيفته ورؤْيته وما يقدِّمه من إِعجاب وتقدير لمتعة الزوَّار وتثقيف السيَّاح.

نشر المقال في “النهار العربي” أولاً.

هنري زغيب، كاتب وشاعر لبناني

شاعر وكاتب لبنانـيّ، له عدد كبير من المؤَلفات شِعرًا ونثرًا وسِيَرًا أَدبية وثقافية، وعدد آخر من المترجَـمات عن الفرنسية والإِنكليزية، وناشط ضالع في الحياة الثقافية اللبنانية والعربية منذ 1972. مؤَسس "مركز التراث اللبناني" لدى الجامعة اللبنانية الأَميركية، ورئيس تحرير مـجلة "مرايا التراث" الصادرة فيها. درّس في عدة جامعات في الولايات المتحدة منها جامعة جورج واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى