خسارة كبيرة منيت بها مدينة صيدا خصوصًا، والجنوب ولبنان عمومًا، بفقدان علمٍ من أعلام الطبّ والعمل الإنساني ، وعظيم من لبنان، الدكتور غسان حمود عن عمر يناهز ٨٥ عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء يشهد بها الجميع، وذلك بما قدّمه لمدينة صيدا ولوطنه.
عصاميّ مؤمن بقدراته الّتي استطاع أن يحول بها عيادة صغيرة إلى صرح جامعيّ كبير، حمل اسمه، وأذاع صيته في كلّ لبنان.
وكان الدكتور حمّود قد أكمل دراسته في الجامعة الأميركية، ومن ثمّ تخصّص في ألمانيا بالجراحة العامّة والجراحة النّسائية، ومن ثمّ عاد إلى وطنه لبنان ليؤسّس مستشفى غسان حمود سنة 1966، برأسمال بسيط للغاية، وكانت عبارة عن طابقين بدون مصعد كهربائي، مع غرفة عمليات واحدة وغرفة توليد واحدة وغرفة أشعة واحدة وطبيب واحد وهو الدكتور غسان حمود، الذي كان هدفه دائمًا أن ينضم إليه أطباء من كافة الاختصاصات، لأنّه لا يمكن الاستمرار بمجهود شخصي.
وفي العام١٩٧٦، تمّ إنشاء طوابق جديدة للاستشفاء أُلحقت بالمستشفى.
وهكذا انطبعت مسيرة الراحل بمواقف إنسانية ومهنية ووطنية حافلة بالعطاءات والوفاء لمدينته ولوطنه ولمهنة الطبّ والإنسانية، فصنع بطموحه اللامحدود وعصاميته وإرادته الصلبة قصة نجاح وتميّز عمرها أكثر من نصف قرن قضاها في الحقل العلمي الاستشفائي والإنساني.
حتّى بات صاحب أكبر صرح استشفائي في الجنوب، أسّسه بجهود جبارة تحت وطأة ظروف قاهرة تمكّن من مجابهتها بإرادة صلبة، وصار الطّابقان صرحًا استشفائيًّا يحوي ٣٢٠ سريراً، ويخرّج الأطباء، وتلاميذ الأطباء من مختلف جامعات لبنان، عبر قضاء فترة التمرّن فيه، وكان لي الشرف أن أكون واحدا من المتمرّنين هناك، فكانت مستشفى غسّان حمّود أولى المستشفيات الّتي استقبلتني للعمل فيها عقب عودتي من فرنسا.
هذه المستشفى شهدت أولى عمليات زراعة القلب، كما كانت أولى مستشفيات لبنان التي شهدت عمليات القلب المفتوح سنة ١٩٩١، وطبعا كان الدكتور غسان سبّاقًا دائما على تطوير مستشفاه، لتحصد المراكز الأولى التي بدأت بغسيل الكلى، وهي حتى الآن تحوي على أكبر عدد من الأسرّة المخصصة لغسيل الكلى، بالإضافة إلى زراعة الكلى، كما كانت سبّاقة بجراحة التنظير، والحمد لله أنّ الدكتور غسان حقق آماله في أن تصبح المستشفى، مستشفى جامعية سنه ٢٠٠٥.
ومستشفى حمود كما هو معروف، وَضعها صاحبها في خدمة أهلنا في الجنوب وصيدا والشوف وبيروت .. وقد أطلقت بلديّة صيدا اسمه على الشّارع الذي تقع فيه المستشفى.
أمّا البساتين التي كانت تحيط بالمستشفى، فقد تحولت إلى منطقة تجارية نمت على أطرافها واسترزق أصحاب المحلات من مرضاه وزوّاره وأطبائه والعاملين فيه.
قبل أن يصبح صاحب مستشفى، كان الدكتور غسان صاحب قضيّة وطنيّة وقومية سامية، إذ انتسب إلى حركة القوميين العرب في ظل مناخ وطني وعروبي سيطر على المدينة، وصار مستشفاه مقصدًا لاستشفاء عناصر منظمة التحرير الفلسطينية ووكالة الأونروا ومرضى الجنوب وإقليم الخروب.
ترشح في الانتخابات النيابية سنة ١٩٩٢ ونال العديد من الأصوات التي تخوّله أن يدخل المجلس النيابي ولكن الحظّ لم يحالفه، فالتفت إلى تطوير المستشفى والبقاء إلى جانب الناس طبيبًا لهم لا نائبًا عنهم.
ونال لقب طبيب الفقراء، الذي رحل اليوم، تاركًا لهم إرثًا كبيرًا، وذكرى جميلة لا يمكن للناس أن ينسوها، ولا أن يغفلوا عن يد العون التي امتدّت إليهم بالحبّ والرحمة في أحلك الظروف وأقساها، لا سيّما أيام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي عاشها الجنوبيون خصوصًا واللبنانيون عمومًا، فأثبت أنّه المحبّ الكريم الذي لم يترك مريضًا فقيرًا كان أم غنيًّا إلا وداواه، ولم يُترك مريضًا على باب المستشفى يئن وجعًا ولم نسمع في زمانه بمن مات على باب المستشفى.
وكانت إنسانيّته وكرمه وطيبة قلبه هي صفات ميّزته، لتحقيق حلمه الذي عمل لأجله طوال تلك السنين لتصبح مستشفاه هي المستشفى الجامعيّة الأولى في الجنوب.
كيف لأهل صيدا وللبنان أن ينسوا تلك القامة الشامخة شموخ جبال لبنان؟؟
طبيب الفقراء لن يرحل ستبقى ذكراه راسخة في عقول النّاس وقلوبهم في زمن قلّت فيه الإنسانية!!!!