لماذا التعميم؟ مشاكل الافراد ليست صفة للشعوب
أثناء الحرب العراقية الإيرانية.. كان والدى يعمل ببغداد.. فى أحد الأيام عرض التليفزيون العراقي مسرحية “شاهد ما شفش حاجة” للفنان عادل إمام.. وعندما سأله القاضي: “لماذا لم تُعزِل من الشقة عندما عَلمت أن تحت منك واحدة راقصة؟!”
قال عادل إمام جملته الشهيرة “يا بيه لو كل واحد عزّل علشان تحت منه واحدة راقصة، البلد كلها هتبات فى الشارع”.. كان صاحب العمل يستلقي على ظهره من الضحك.. ويقول لوالدى: “كيف تسمحون بهذا التعميم على مجتمعكم؟!”
والمعنى عند العراقي أن عادل إمام أطلق على كل نساء مصر راقصات.
قبل عدة أيام قالت دكتورة لبنانية صديقة متخصصة فى علم الأنثروبولوجيا.. أى علم الإنسان الاجتماعي وهو علم يوضح قيم ومعايير المجتمعات.
قالت: “مشكلة أغلبكم – وليس كلكم – وتحديدا من تعاملت معهم، تشوهون أنفسكم بتعميمكم لكثير من الحالات الفردية.. فمثلا مشكلة القمامة فى الشوارع!.. تقولون “كل شوارع مصر مليئة بالقمامة!!”.. وهذا أمر جد خطير.. فالأصح أن تقولوا إن الشارع الفلاني مليء بالقمامة والشارع العلاني فيه قمامة.. ولا تُعمموا على كل مصر حالة واحدة أو شارع واحد.. فلقد رأيت شوارع كثيرة وأماكن أكثر نظيفة وجميلة وليس فيها قمامة.
وتستكمل: “نفس الأمر التعميم والسخرية على الرجل المصري وتقولون إنه بكرش وكذا وكذا، ويجب أن تبتعد النساء عنه ولا تتزوج به.. والأمر نفسه أطلقتوه على المرأة المصرية فهى النكدية برغم أن دمها خفيف ومرحة.. فلا أبقيتم نقيصة إلا ووضعتوها لهما .. ولا خليتم صفة حسنة إلا ومستحوها عنهما”
فقلت لها أوافقك الرأي؛ فعندنا في مصر كل الصعايدة جدعان، وكل الشراقوة كرماء، وكل الدمايطة بخلاء.. برغم أننا جميعًا نعرف أن هذا ليس صحيحًا.. ففيهم وفيهم، وهذا نعرفه وندركه لكننا مستمرون فيه بلا توقف وبلا هوادة.
زمان أراد أحد الكتاب أن يفرض نظرية التعميم بطريقة غير منطقية.. فقد أصدر كتابًا اسمه ”المشكلة الجنسية عند المرأة العربية” باللغة الإيطالية، الكتاب جمع بين دفتيه عددًا من الجرائم الجنسية ظهرت في الصحف العربية.. وهذا أمر لا بأس به ويحدث.
ولكن الكاتب ينتهي بغرابة شديدة إلى أنها ”ظاهرة عربية”، أي أن الكاتب استخدم مبدأ التعميم لوصف العدوان على المرأة والتحرش بها واغتصابها فحولها إلى ظاهرة عامة في كل البلاد العربية.
هذا هو الخطأ بعينه الذى ارتكبه الكاتب، والذى قد نرتكبه من وراءه .. ويبدو أن غيرنا يحلو له فعله.. كذلك عادة بعض كتاب الصحف والمجلات والمواقع إدخال كلمة مصر فى معظم العناوين بدون داع..
ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) أو هو من الهالكين.. والمعنى، أنه حين يُعمم الهلاك على الناس فهو أكثرهم هلاكاً.
ولذلك اخترت فى العنوان “آفة حارتنا التعميم”.. حارتنا نحن، أنا وأصدقائي.. أو أنا وجيراني لا يهم.. المهم أنها ليست “آفة كل المصريين لأنني أتمنى أن يختفي التعميم من بيننا.
رابط المقال على بوابة الاهرام اضغط هنا