لا يُذكر اسم الدكتور سماح ادريس في مقام او لقاء إلاّ وتقفز في الذهن صور ثلاث في وقت واحد.
الصورة الأولى هي صورة مجلة “الاداب” التي لعبت، وما زالت، على مدى عقود دوراً ريادياً في الحياة الأدبية والثقافية العربية التي أنطلق من رحابها بعض أكبر الأدباء والشعراء العرب الذين يذكرون لمؤسسها الراحل الدكتور سهيل ادريس فضله في اتاحة الفرصة لهم لكي يتعّرف اليهم أبناء أمتهم .
وبعد رحيل الاب المؤسس، نجح الأبن سماح في تأمين استمرار صدور المجلّة الرائدة ، بل وفي تحويلها الى منتدى ومنبر للعديد من الكتّاب والأدباء والمثقفين المسكونين بهموم أمتهم، مؤكداً ان الوراثة النبيلة ليست وراثة الجاه والمال والنفوذ بل وراثة الأدب والفكر والابداع والنضال .
أما الصورة الثانية التي تقفز الى الذهن مباشرة فهي صورة “مقاطعة العدو الصهيوني وداعميه” والتي حملها الدكتور سماح منذ سنوات عدة، من خلال حملات المقاطعة، لا سيّما B.D.S ، وذلك امتداداً لحياة نضالية طويلة منذ أن كان طالباً في الجامعة الأميركية وعضواً فاعلاً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصديقاً حميماً لمؤسس الجبهة الحكيم الراحل الدكتور جورج حبش.
إن دور سماح واخوانه في حملات المقاطعة أسسّت وبشكل واضح للعديد من فعاليات وهيئات مناهضة التطبيع التي قامت في كثير من الدول العربية، ناهيك عن مدن وعواصم وجامعات عالمية.
أما الصورة الثالثة التي يحملها ذكر أسم سماح ادريس، فهي صورة والده الأديب الكبير والروائي المميّز الدكتور سهيل ادريس الذي لم تكن رواياته الجريئة والجميلة مصدر اهتمام لي ولمئات الآلاف من القراء اللبنانيين والعرب فحسب، بل كانت شجاعته كمثقف وأديب هي ما أذكره دوماً له حين أقفلت معظم المنابر الثقافية في وجه لقاءات تضامنية مع العراق ضد الغزو الأميركي عام 1991، إلاّ منبر اتحاد الكتّاب والادباء اللبنانيين الذي كان الدكتور سهيل أمينه العام، والذي فتح أبوابه لفعاليات تضامنية ثقافية شارك فيها شجعان من أهل الفكر والقلم وصدرت عنها وثيقة تلاها الدكتور أنطوان سيف، الأمين العام للحركة الثقافية في انطلياس .
أستعيد هذه الصور الثلاث من وحي “مثقف عضوي” بكل ما في الكلمة من معنى ،هو الدكتور سماح ادريس وقد ودعنا اليوم بعد معاناة قاسية مع مرض عضال، لأن أمثال سماح من أصحاب المبادئ المقرونة بالعطاء الفكري والثقافي باتوا قلّة في مجتمع تتدهور فيه القيم السامية ليحل محلها الارتزاق والاستعراض .
رحمه الله والعزاء لذويه وكل محبيه