بعد سبع سنوات على رحيله الأبدي، ما عساني ان أكتب عن منح الصلح بعد كل ما كتبته عن من اعتبره أستاذًا واخًا كبيرًا ،وبعد ما كتبه كثر غيري من تلامذة الأستاذ الكبير ومريديه ومحاوريه.
ماذا أكتب عن لبنان الذي يغزوه الظلم والظلام، وقد كان منح الصلح من رموز اشعاعه الفكري والنهضوي، وهو ظلم وظلام تسبّب به حصار خارجي خانق مستند الى فساد داخلي مدّمر طالما حذّر منه المفكر الكبير ودعا الى مناهضة منظومته الجشعة وداعميها من أعداء لبنان والعرب .
بل ماذا أكتب عن العروبة المحاصرة من كل حدب وصوب بالعصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية المريضة، وقد كان منح الصلح احد حاملي مشعل العروبة الحضارية وقضيتها المركزية في فلسطين، و واحد دعاة مشروعها الوحدوي الديمقراطي الذي يفهم خصوصية كل قطر وجماعة في الوطن الكبير، بل العروبة التي أدرك منح الصلح انها ” هوية تنطوي على مشروع نهضوي” فلا تكون عروبيًا حقاُ اذا لم تكن نهضويًا، ولا تكون نهضويًا فعلًا اذا لم تكن عروبيًا حاملًا همّ الوحدة بين أقطار الامة وداخل كل قطر.
بل ماذا أكتب عن تجربة التلاقي والحوار والوحدة والحرية والعدالة والعروبة التي عاشها منح الصلح وسعى الى تجسيدها في أطر عمل ثقافي ووطني وقومي وانساني جامع بدءًا من نادي العروة الوثقى في أوائل ستينات القرن الماضي، الى “دار الندوة” في ثمانينات ذلك القرن الى اللقاء اللبناني الوحدوي في التسعينات من هذا القرن ،إلى المركز الثقافي الاسلامي،الى المنتدى القومي العربي إلى شباب لبنان الواحد وكل مخرجاتهم اللبنانية والعربية التي كانت عابرة لكافة الأفكار والاجيال والاقطار.
ماذا أكتب في البلاغة التي كان منح الصلح سيّدها حين كان يختصر بكلمات أفكارًا يحتاج غيره الى مجلدات ليشرحها، ومنها قوله الشهير في طبقة التكنوقراط الذين “علمهم شهادة وطموحهم وظيفة ورصيدهم جبانة وفضائلهم رذائل مؤجلة”.
كل ما أقوله بعد رحيل منح الصلح، وسط زلازل تضرب اسس لبنان، وعواصف تعصف بالأمة كلها، اننا على العهد مع فكرك المضيء ونقائك الجميل باقون رغم كل شيء، فلم يكن منح الصلح مدرسة في الفكر والثقافة والابداع فقط ، ولا في اللبنانية الكاملة والعروبة الكاملة فحسب، بل كان ايضًا مدرسة في النقاء والتجرّد والترفّع عن الصغائر مؤمنًا بأن العمل العام هو خدمة للناس والوطن والأمة ، وليس وسيلة للكسب والارتزاق وبيع الضمائر بأبخس الأثمان .