مع الإعلان عن صدور كتاب بعنوان “75 عامًا على تأسيس النادي الثقافي العربي”، قفزت إلى ذهني ذكريات تعود إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي، حيث كنت أتردّد إلى النادي الثقافي العربي في شارع المقدسي، المتفرع من شارع الحمرا، قبل أن ينتقل منذ أوائل الستينيات إلى مقره الحالي في شارع عبد العزيز.
كان النادي الثقافي العربي بالنسبة لي، وأنا ابن الرابعة عشر من عمري، مدرسة وعي قومي، ومعهد تكوين فكري وثقافي، وساحة تفاعل مع العديد من الشباب القومي العربي من لبنانيين وفلسطينيين وعرب يدرسون في الجامعة الأمريكية في بيروت.
في ذلك النادي استمعت إلى محاضرات لكبار المفكرين والسياسيين في العمل القومي وأبرزهم الراحل الدكتور قسطنطين زريق، والاقتصادي الكبير الراحل برهان الدجاني، والمفكر الكبير الراحل منح الصلح، والرئيس الدكتور سليم الحص حين كان أستاذًا جامعيًا أطال الله في عمره، والعديد غيرهم من قادة الفكر والرأي في لبنان والوطن العربي، دون أن أنسى دور النائب والوزير السابق الراحل جوزف مغيزل الذي ترأس النادي الثقافي العربي بعد أن انتقل من حزب الكتائب إلى الفكر القومي العربي وبات من مؤسسي المؤتمر القومي العربي فيما بعد..
في قاعة النادي كنا نلتقي بعد ظهر كل سبت نتداول في هموم الأمّة وشجونها، وكانت فلسطين حاضرة في كل نقاش أو بحث حيث كانت روح الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد والدكتور أحمد الخطيب والاستاذ هاني الهندي (رحمهم الله)، حاضرة معنا، ولو عن بعد، فالعديد من المشرفين على النادي كانوا من تلامذتهم الأوائل في حركة القوميين العرب.
وفي أجواء النادي شاركت في التحضير للمعارض الأولى للكتاب العربي الذي كان يقام في قاعة الوست هول في الجامعة الأمريكية قبل أن يتحوّل إلى واحدة من أهم التظاهرات الثقافية العربية في وطننا العربي..
وفي المناسبات القومية التي كانت تزخر بها المرحلة آنذاك، كان النادي الثقافي العربي مركزًا للعديد من الفعاليات الوحدوية العربية والداعمة لحركات التحرر العربية، لاسيّما الثورة الجزائرية وبالطبع للقضية الفلسطينية وهي مناسبات زودتني بالكثير من ثقافتي العربية ومعرفتي باحوال الأمّة..
في الرحلات إلى دمشق للاحتفال بعيد الوحدة المصرية – السورية، كان النادي الثقافي العربي أحد نقاط تجمعنا في بيروت لنتوجه إلى سورية لنشارك في استقبال الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر خلال زياراته إلى دمشق، وكانت تلك الرحلات فرصة لنا لكي نعرف بعضنا أكثر ونتعرّف على قضايا أمّتنا وهموم شعبنا أكثر.
وبالنسبة لي شخصيًا لا أنسى كيف شاركت مرة في شباط 1959 في مسابقة للخطابة الارتجالية وكان من حظي أن تكون كلمتي عن “جمال عبد الناصر” ونلت بفضلها الجائزة الأولى في تلك المسابقة.
كان للنادي الثقافي العربي ناد آخر يتكامل معه هو نادي الرواد في رأس النبع، وكان له ناد شقيق، وأن اختلفت خلفيات المشرفين على الناديين، هو نادي العروة الوثقى في الحمرا – نزلة أبو طالب، وكان كان يرأسه الأستاذ منح الصلح (رحمه الله)، حيث كان التفاعل مع البعثيين الرافضين للانفصال بين مصر وسورية عام 1961، وقبل أن يصل حزب البعث إلى السلطة في العراق وسورية في 8 شباط 1963، و 8 آذار 1963
في تلك السنوات التي عشتها في رحاب النادي الثقافي العربي ذكريات عديدة وجميلة، وقد بقي النادي منارة في مدينة هي بذاتها منارة الثقافة والفكر في أمّتنا ومركز إشعاع حضاري مستمر رغم كل ما يتعرّض له من محاولات إطفاء وإلغاء.