اصبحت لا اشعر بشيء، اعرف اني ابصر لكن كمن يشاهد خيالات، واسمع انما الاصوات غير واضحة، واعرف ان هذا فلان وهذا علان، لكن لا افهم من هم بالنسبة لي.
بالامس ابنتي في عامها الاول احتاجت دواء سعره لا يتجاوز الدولار الواحد، بحثت عنه في غالبية الصيدليات القريبة مني ولم اجده، فاحذنا البديل له، المشكلة ليست بابنتي المشكلة ماذا يفعل الرجل المسن والمريض وهذا الدواء يعادل حياته..
السؤال الكبير، اين كل رجال الساسة والدين وخطباء المنابر والاديرة، من هذا الامر، ماذا ينتظرون، ماذا يفعلون، ماذا تعلموا من تعاليمهم السماوية والارضية.
هل انتهى الامر هنا، منذ يومين هبطت السوق لاشتري بعض المواد الغذائية، شعرت اني بغابة فالقوي بانتظار ان يفترس الضعيف، صدقا البهائم لديها حظوظ مضاعفة ان تجد طعامها من اديم الارض، اكثر من غالبية الشعب الفقير، السؤال ماذا يفعل الشعب ماذا ينتظر…
ان كان هناك من يعمل على تدجين هذا الشعب، فهذا الشعب اصلا مدجن.
في وطني التجارب كثيرة، فقد طمر بالنفايات وكاد الذباب ان يلتهمه نهارا والبرغش يمص دمه ليلا ولم يتحرك.
سرقت ودائعه التي جمعها بالجوع والخوف والتعب حيث حرم نفسه من كل ملذات الدنيا، من اجل كنزها لغدر الزمن، فاذا بالزمن والغدر وقلة الامانة يسرقون كنزه، ومع ذلك لم يتحرك، بل اخذ يتوسل ان يعيدوا اليه حقه… اذا هذا الشعب الذي وافق ان ينهب ماله امام عينه دون ان يتحرك اي وطن او اي امر سيتحرك لاجله.
في وطني شعب عاش تحت احتلال العدو الاسرائيلي عقود، جاءت ثلة قليلة استشهد منها من استشهد وجرح منها من جرح، وحررت ارضه، وبدل ان يشكر الجرحى ويخلد الشهداء كما يحصل بكل دول العالم، اخذ يطالب الشهداء، بالقمح وببناء المنزل ودفع له تعويضات.
حتى ان ظهر هناك من يدافع عن هذا الشعب ويطالب له بحقوقه، تجد الشعب ينقلب على الذي يدافع عنه، ويأخذ يخونه، كأن الشعب يعيش بالجنة وهذا القادم لإنقاذه هو شيطان رجيم يريد ان يخرجه منها.
في وطني شعب ليس معه يأكل ولا قادر حتى ان يشرب ماء شفة نظيفة، اضافة ان حذائه ممزق واولاده شبه عراة، تجده مبحلق بالتلفاز او غارقا بوسائل التواصل الاجتماعي، يدافع عن هذا ويشتم هذا وينظر على ذاك.
شعب يعيش بلا استشفاء، بلا كهرباء، وبلا بنزين وبلا مازوت، واصلا ما معه يشتري حمار يركب عليه، ومع ذلك تجده يسير الى اين؟؟؟ لا احد يعلم.
في وطني شعب يعيش كارثة نفسية حقيقية، من عجقة السير حتى عودته الى منزله ومتطلبات العائلة العاجز عن تامين منها الا كلمة بكرا، ومع ذلك هو يستيقظ يوميا ويعيش نفس مشاهد الفيلم الذي عاشه بالأمس وقبل شهر وقبل اعوام.
في وطني شعب لديه قدة اكثر من جيمس بوند على التخفي، فهو يستطيع ان يختبئ من صاحب ايجار المنزل عشرة ايام دون ان يتنفس او يتحرك، كما انه قادر على المرور من امام البقال دون ان يلفت النظر اليه، بل حتى ان يتسلل الى فراشه دون شعور اولاده به، هربا من متطلباتهم.
ملاحظة هذا المقال ليس للساسة لان الساسة لم يعيشوا هذه المشاهد او الظروف، كما انه ليس للشعب اللبناني, اصلا كل ما اقوله ليس موجود، والدليل انك عندما تتأمل وجه المواطن اللبناني تجده متبسما بالرغم ان اسنانه صفراء بسبب غلاء معجون الاسنان، وشعر طويل بسبب ارتفاع سعر قصة الشعر، ووجه الذي اصبح لونه اخضر بسبب المشاكل النفسية وكثرة الامراض، لكنه يبتسم ويضحك.
وطني انتهى لان شعبه انتهى ولو كان الشعب حي لما كان هناك خوف على الوطن…