أهميّة الإصلاحات المطلوبة من قِبل صندوق النقد الدوليّ | بقلم د. رنا منصور

في إطار الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد الدوليّ، برز مطلبان رئيسان يتعلّقان بالسريّة المصرفيّة وإنشاء جهة مختصّة بإصلاح وضع المصارف. لذلك، قامت وزارة الماليّة بإعداد مجموعة من التعديلات المقترحة على التشريعات ذات الصلة، وأحالتها إلى مجلس الوزراء للنظر فيها. عمل فريق عمل وزير الماليّة على تحقيق متطلّبات صندوق النقد الدوليّ، إذ تمّ إعداد مجموعة من التعديلات على القوانين الماليّة والنقديّة القائمة بالتعاون مع لجنة التفاوض اللبنانيّة مع الصندوق، وذلك استعداداً لطرحها على مجلس الوزراء للموافقة عليها، تماشياً مع توصيات الصندوق التي تُعتبر شروطاً أساسيّة لتوقيع برنامج الإنقاذ مع لبنان.
بات العمل جارياً على نقطتَيْن أساسيّتَيْن: الأولى تتعلّق بتعديل قانون السريّة المصرفيّة، والثانية بإنشاء آلية لإصلاح وضع المصارف، وهو ما يُشار إليه بعبارة “resolution” وفقاً لمصطلحات وفد صندوق النقد الدوليّ، وذلك نظراً لغياب قوانين تنظّم إصلاح القطاع المصرفيّ.
يعتبر الصندوق أنّ القانون رقم 110\91، الذي سُمّي سابقاً بقانون إصلاح القطاع المصرفيّ، غير كافٍ، ويُطالب بإنشاء جهة متخصّصة تقوم بإصلاح وضع المصارف، حيث إنّ دور لجنة الرقابة على المصارف يقتصر على المراقبة وإعداد التقارير دون اتّخاذ الإجراءات الحاسمة ضد المخالفين. كما بات واضحاً أنّ صندوق النقد الدوليّ يرى ضرورة تعزيز قُدرات لجنة الرقابة لسد الثغرات القائمة في إصلاح المصارف، وقد تمّ بالفعل صياغة مقترح تعديل لقانون السريّة المصرفيّة أُرسل إلى مجلس الوزراء، مستنداً إلى مبنيَيْن أساسيِّيْن:
1. إنّ قانون السريّة المصرفيّة الصادر عام 1956 لم يعد يجذب الودائع المصرفيّة كما كان عليه سابقاً.
2. أهميّة ضمان الإستقرار التشريعيّ للمودعين القدامى الذين أجروا معاملاتهم الماليّة وفقاً لأحكام هذا القانون.
وبناءً عليه، تضمّن التعديل الجديد إعطاء لجنة الرقابة ومصرف لبنان صلاحيّة الإطلاع على أي حسابات مصرفيّة تُفتح بعد صدوره، مع تمكينهما من إلغاء سريّة الحسابات القديمة خلال عمليّة إعادة هيكلة المصارف، وفقًا لأحكام قانون إعادة الهيكلة الصادر في عام 2022، دون أن يُستغل ذلك في التحقيق في قضايا ماليّة أخرى.
كما أرسلت وزارة الماليّة مقترحاً آخر لتعديل قانون النقد والتسليف، فيما يجري العمل على تعديل آخر لقانون إصلاح المصارف الذي تمّ دراسته سابقاً من قبل صندوق النقد الدوليّ ومصرف لبنان. وقد تضمّن المقترح تحويل مهمّة إصلاح أي مصرف إلى اللجنة المصرفيّة العليا، لتجنّب إنشاء هيئات جديدة، مع تعزيز دور الهيئة وتغيّير تشكيلتها عبر استبدال أعضائها.
ولكن للأسف فإنّ قانون تغطية الفجوة الماليّة، الذي كان محور النقاش بين لجنة التفاوض وصندوق النقد الدوليّ، لم يُصاغ بعد وأنّ الأولويّة تُعطى حاليّاً لإقرار التعديلات المتعلّقة بقوانين السريّة المصرفيّة والنقد والتسليف وإصلاح المصارف. حيث يرى المسؤولون أنّ ربط إصدار القوانين ببعضها البعض قد يؤدّي إلى تأخير الإصلاحات، خاصة وأنّ قانون الفجوة الماليّة قد يستغرق وقتاً طويلاً في الصياغة مثل القوانين الأخرى.
وفي سياق متّصل، لا بد من التنويه بأنّ مقترح قانون إصلاح المصارف تضمّن بنداً ينص على تخصيص إيداعات المصارف لدى مصرف لبنان بالقيمة الدفتريّة إلى حين صدور قانون الفجوة الماليّة أو إعادة التوازن، بحيث يقوم مصرف لبنان بصياغة المقترح وإرساله إلى وزارة الماليّة لتفادي حلول بديلة قد تضرّ بالمصارف، وذلك باعتبار أنّ حذف إيداعات المصارف من سجلات البنك المركزيّ قد يؤدّي إلى إفلاسها جميعاً، ممّا يؤثّر سلباً على الاقتصاد الوطنيّ ويُترجم إلى خسارة أموال المودعين، وهو ما اعتُبر من قِبل المسؤولين أمراً غير مقبولاً لأي طرف في لبنان.
وأخيراً، إنّ قانون الفجوة الماليّة هو أبرز قانون يجب أن يُقرّ، وحقوق المودعين يجب أن تعلو على كل اعتبار، وحبذا لو أنّ صندوق النقد الدوليّ يهتم أكثر بذلك.