أيها التغييريون ألم يحن الأوان للإقلاع عن التفاهات والتركيز على جوهر الأمور؟؟؟ | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
مضى على بدء ولاية المجلس النيابي الكريم أشهر عدة، ولم نلحظ في أداء أولئك النواب الذين يطلقون على أنفسِهم تسمية النواب التغييرين سوى ما يوحي بافتقارهم للحد الأدنى من مُقتضيات التَّغيير.
أقول ما قلت بمُكاشفة صريحة وواضحة، وقد اعتدت منذ صغري على قول الحقائق كما هي، ودأبت على مُصارحة الراي العام بقناعاتي، ومواقفي وانتقاداتي لكل ما أراه خطأ او صواب. وهذا ما دفع ببعض الأصدقاء والقراء لاستيضاحي عن الجهة السياسية التي أنتمي إليها أو أؤيدها، وقد صعب عليهم تحديد موقف لي يوحي بأني أقرب إلى أحد المعسكرين السياسيين الحاليين في لبنان، عنيت بذلك ٨ و١٤ آذار، وها أنا أكرر الإحابة بأني لست محسوبا أو مُتعاطفاً مع أيٍّ منهما، ذلك لأني أرى أن مواقف كليهما خطائين وغير معصومين من الخطأ، بل تبادلا الاساءة للوطن والشعب، ولم يُقصِّرا أبدا في الإضرار بمصالحنا الوطنية، ولكوني أنظر لخياراتهم ومواقفهم كباحث وناقد بعينين واعيتين، وقلم مُتجرِدٍ غير ممالق، مُتسلحا بمناقبيتي العسكرية التي تملي علي التصرف والحكم على الأشمور من خلفية الانتماء الوطني، وتغليب المصلحة الوطنية وجعلها فوق أيَّةِ اعتبارات فئوية او شخصية أو خارجية. لذا تُراني لا أخفي امتعاضي من اي أداء هابط وغبر مسؤول، او من أي توجُّه لا ينم عن ولاء للوطن، ولا أخفي عتبي ولومي لاصحاب المواقفِ غير المسؤولة، وإن كان بعضٌ ممن انتقدُهم لا يستسيغون انتقاداتي، ولا أري ضيرا في ذلك طالما بقيت مواقفي منسجمة مع الادبيات التي تنبع من صدق مشاعري الوطنية المنسجمة مع روحية انتماىي للوطني الذي نشأت فيه وأحمل همومه وشجونه. ومن هذا المنطلق ياتي انتقادي اليوم لأداء من اصطُلحَ على تسميتهم بالنواب التغييرين.
للاسف يبدو أن بعضا إن لم نقل مُعظم الذين فازوا بالانتخابات النيابيَّة بترشُّحهم على متن لوائح حملت ظاهريا أسماء توحي بنهج تغبيري، قد خَدعوا الكثيرين من الناخبين أو على الأقل خذلوهم بأدائهم ومواقفهم غير المسؤولة، وأنا من الناخبين الذين خُذلوا وإن لم أخدع، ولذلك أكتفي بالقول أن أداءهم لا يوحي بنزعَةٍ تغييريَّةٍ إصلاحيةٍ تحديثية، إنما بتفاهاتٍ صبيانيَّةٍ، أبعد ما تكون عن خِصال وممارسات المشرعين.
لا أخفي عليكم أنني كنت من أول المدافعين عن بعض النواب ومنهم النائبة زرازير، والتي لا أعرفها، عندما اشتكت من تنمُّرٍ ذكوري مورس عليها داخل حرم مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة للنائبة بولا يعقوبيان، إذ لم أخفي ازدرائي للكيفية الهابطة التي كان يتعامل فيها البعض مع زملائهم النواب، إن كان في معرض قيامهم بواجباتهم النيابية، او ما يتعرض له النواب الجدد خلال جلسات التحاور على شاشات الفضائيات، والتي يستدل منها حقارة المُتطاول وضعف شخصية لدى الكثير ممن يزعمون أنهم صُقورٌ تغييريون، والأنكى من ذلك أن المصيبةُ التي نعاني منها نحن من اقترع لهؤلاء النواب أعظم من ذلك بكثبر، لأننا نشعرُش جراء سلوكياتهم ومواقفهم السياسية بالخزي والإحباط، وكأننا تعرصنا لخيانة، او غُررَ بنا لجهلنا بمؤهلاتهم ومزاياهم الشَّخصيَّة.
أقول ذلك ليس من باب التشفي والتَّعرض بالشَّخصي لأي منهم، إنما لفتا للانتباه من مغبَّة الاستمرار على ذات المنوال، وتبني خياراتٍ غبر مدروسة. وهنا لا بد لي من التذكير بما سبق وناديت به عشية تشكيل لوائح المرشحين في وجه لوائح السُّلطة، ولم أتوان عن دعوة الزملاء المرشحين المعارضين للسلطة وانا من بينهم لضرورة الاحتكام إلى معايير مُتجردة، يُصارُ على أساسها غربلة أسماء المرشحين، للخروج بتبني لائحة واحدة تغييرية – إصلاحيَّة على مًستوى كل دائرة انتخابية، ولكن هذا الطرح لم يلق قبولا رغم اقتراح آليات عدة لتنفبذه، ويُعزى ذلك لنزعات أنانيَّة وصوليَّة لدى العديد منهم، ما دفعني حينها للعزوفِ عن السير في الترشح، ورفضي الانضمام لاية لائحة، ما لم تتوحَّد القوى التغييرية في لائحة واحدة على مستوى كل دائرة ودعم ١٢٨ مرشحا بمعدل مُرشح واحدٍ لكل مقعد نيابي، كما تبني برنامج انتخابي واحد لكل المرشحين التغييريبن، وهذا ما لم يحصل حتى على مستوى الدائرة الرابعة في جبل لبنان أي الشوف وعاليه.
لست وحدي من يشعُرُ اليوم بالمرارة، بل كل ناخب تغييري -إصلاحي حر، وربما كل مواطني شريف وصادق، يتابع نشاطات ومواقف وسلوكيات النواب التغييريين. أما مآخذنا فكثيرة جراء كثرة الأخطاء التي ارتكبها ويرتكبها أولئك النواب، والتي كنا نُبرِّرها باعتبارها هفوات غبر مقصودة، نابعةٌ عن قلة خبرة في الشأن السياسي ولحداثة وجودهم في الندوة البرلمانية، أما وقد استفحلت كبواتهم وكثرت أخطاؤهم والتي وصل بعضها لحد الخطايا التي لا تغتفر ولا يجوز السكوت عنها. والتي سأكتفي بالإشارة إلى بعضها:
اولا: التهاؤهم (النواب التغييرين) بظواهِرِ الأمور لا بجوهرها، وكأن جُلَّ مبتغاهم الظهور بأنهم نواب مشاكسون مناكفون، يصعب ترويضُهم كباقي النواب المنضوين في أحد معسكري ٨ و١٤ آذار، وذلك عملا بمبدا خالف تعرف.
ثانيا: اتخاذهم أو تبنيهم لمواقف نافرَةٍ منفرة تجاه أمور تافهة لا إجماع عليها أو على الاقل لا تزال مرفوضة لدى الغالبية في بيئتنا الشرق -أوسطية، كالمغالاة في تبني التشريعات التي تسوق على انها ضامنة لحقوق المثليين ومن لف لفهم، في الوقت الذي تشرع سلوكيات هابطة ومقيتة وضارة.
ثالثا: البعد عن الواقعية في الكثير من مواقفهم التي يطلقونها ارتجاليا حيال عدد من المساىل المطروحة، وإن كانت ليست على قدر من الأهمية، وإغفالهم لحراجة الأوضاع التي يمر بها لبنان ومعاناة اللبنانيبن، واكتفائهم في غالبية الأحيان بالتعبير عن رفض ما هو مطروح، من دون عرض بدائل مجدية، مقنعة وقابلة للتنفيذ.
رابعًا: حالة الارباك التي يصابون بها عند حلول او اقتراب آجال الاستحقاقات الوطنية الهامة والمصيرية وتخبطهم في مواقف متناقضة.
خامسًا: محاولتهم تشكيل تكتل نيابي على غرار التكتلات التقليديَّة، والانفراد بمواقف وخيارات يعلمون مسبقا انه من شبه المستحيلات تسويقها واقناع باقي الكتل بالسير باقي بها، بدلا من سعيهم لطرح ما بمكن اقراره وحقيقه، ما جعلهم كمن يغرد خارج الزمان والمكان.
سادسًا: الفوضوية في إطلاق المواقف غير المنسقة في ما بينهم، الأمرُ الذي أفقدهم المصداقية، وقدرتهم على التماسك وتوحيد الموقف حيال المسائل المطروحة كما الخيارات التي يتبنونها.
سابعًا: السطحية في مقاربة الكثير من الأمور الجوهرية: للأسف لم نشهد لغاية اليوم، ومنذ بداية ولاية المجلس الحالي أيا منهم يتبنى موقفا على قدر المُستجدات والأزمات التي تعصف بلبنان، ولا حتى بما يحاكي اهتمامات المواطنين، وهذا أدى إلى الاستخفاف بهم وتجاهل مواقفهم ومداخلاتهم داخل المجلس.
ثامنًا: افتقادُهم للقدرة على التمييز بين ما هو مهم والأمور الثانويَّة، من ذلك امتناعُ بعضهم او تخلُّفِه عن حضور الاجتماع الذي دعى إليه سماحة مفتي الجمهورية، والذي خلُص إلى إعلان مواقف وطنية على قدر كبير من الأهمية، وتركيزهم على قضايا تافهة لمجرد أن بعض الجمعيات الأهلية الممولة من الخارج تُسوق لها، وربما لإشغال الرأي العام بأمور جانبية، لا تحاكي اهتمامات اللبنانيين الغارقين في لجِّ أزمات مَصيريَّة كيانية ومعيشية.
لقد كان أجدى بمنتحلي صفة النواب التغييريين – الإصلاحيين التركيز على الأمور الأساسية والابتعاد عن إثارة أمور خلافية، نحن في لبنان بغنى عن إثارتها في ظل أوضاعنا المأزومة وانقساماتنا الحادة.
وكان حري بهم التركيز على الجانب التشريعي من مهامهم، وتشكيل ورش عمل لإعداد مشاريع قوانين إصلاحيَّة، لأن التشريع يبقى الإطار الأمثل لاي إصلاح حقيقي فاعل ومُستدام، وبدلا من التظاهر باقتحام فروع المصارف وتأييد مُقتحميها، ألم يكن من الأجدى لو أنهم تقدموا باقتراح قانون لحماية أموال المودعين، بدلا من الاقتحامات الاستعراضية المربكة والمدمرة للقطاع المصرفي.
ولكم كانوا قاربوا مُسماهم (تغييريين)، لو أنهم بادروا إلى التقدم باقترحات قوانين، بغرض الحد من الانهيار، ومكافحة تهريب المواد المدعومة، والتهرب الجمركي والضريبي، او لمنع تسريب ثروات الفاسدين الملوثة إلى الخارج.
ولما لم يتفدم عشرة منهم باقتراح قانون يقضي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتقصي حقائق عملية تبديد احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، وكيفية هدر المال العام وكشف الضالعين فيها، وكذلك تبيان الأسباب الحقيقية التي ادت إلى انهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية؟.
وهل من مانع يحول دون تقديمهم باقتراح قانون يحول دون فرار الضالعين بجرائم فساد أو تهريب أموالهم، المشكوك بمشروعية مصادرها، الى الخارج؟ بمن فيهم من سهل تهريب تلك الأموال؟
وما يمنعهم أيضا عن تقديم اقتراح قانون يقضي بتشكيل لحنة تحقيق برلمانية ذات طابع قضائي لإجراء تحقيق متكامل يكشف ملابسات جريمة تفجبر مرفا بيروت وتحديد المسؤولين سياسيا وقضائيا عنها تمهيدا لمحاسبتهم وانزال العقاب المناسب بحق كل منهم؟
اليس ذلك أجدى من البكاء على الأطلال؟
وما هي الموانع التي تحول دون تقديمهم افتراح قوانين لتفسير بعض النصوص الدستورية التي اعتمدت وتعتمد ستارا لتعطيل الكثير من الاستحقاقات الدستورية، وفي طليعتها انتخاب رئبس للجمهورية، منعا من التماهي في تأويلها على خلاف مقاصد المشرع.
وما بمنعهم من تقديمهم لمشروع قانون يفسر المواد ٦٠ و٧٠ و٧١ من الدستور التي تحدد المرجع الصالح لملاحقة رئيس الجمهورية والرؤساء والوزراء عند ارتكابهم جرائم، وكل ما من شأنه تبيان متى تكون الجرائم التي يرتكبونها منسوبة لوظائفهم أم بمثابة جرائم عادية، أو تنطوي على خرقٍ للدستور او خيانة عظمى.
بكل تجرد نقول إن أداء من يطلقون على أنفسهم لقب نواب تغييرين لم يرتقوا بأدائهم بعد إلى حدود المقاربات النيابية التقليدية، إذ لم نلحظ في سلوكياتهم ومواقفهم وأساليب مقاربتهم للمسائل المطروحة سوى ملهاة، ومحاولة التمظهر بعنترياتٍ وهمية سخيفة ومفضوحة.
وأخلص بنصيحة نصوحة بوجوب الارتقاء بسلوكياتهم ومواقفهم إلى مصاف السلوكيات الرزينة والمسؤولة، ومحاولة الاقتداء بالسَّمكةِ لا بالدجاجة، بمعنى سعيهم لجعل افعالُهم تتفوق على أقوالهم لا العكس. وأخيرا ليس لنا سوى التضرع إلى الله بأن يجيرنا من نوائب بعض النائبات وتفاهات بعض النواب التغييرين.