أيها المسؤولون المختلفون… الناس بالكاد تتنفس! | بقلم أحمد بهجة
اليوم الاثنين 31 تشرين الأول 2022 هو يوم مفصلي في تاريخ لبنان الحديث، كونه موعدًا لنهاية مرحلة معروفة للجميع بأحداثها ووقائعها وتفاصيلها الإيجابية والسلبية، وأيضًا هو بداية لمرحلة آتية مجهولة المعالم من نواحٍ عديدة، خاصة أنّ الفراغ الذي يبدأ صباح غد الثلاثاء 1 تشرين الثاني 2022، ستكون نتائجه ثقيلة جدًا على مجموع المواطنين الذين بالكاد يستطيعون تدبير أمورهم اليومية، فكيف ستكون أوضاعهم في ظلّ الفراغ الذي قد يطول…
لذلك، يأمل اللبنانيون بأن يضع كلّ المسؤولين من دون استثناء عقل الرحمن في رؤوسهم، وأن يُحكّموا ضمائرهم أو ما بقيَ منها، وأن يلتفتوا قليلًا إلى الناس، وهم في النهاية ناسهم ومؤيدوهم وناخبوهم الذين صبروا عليهم كثيرًا حين كانت الأوضاع ماشية ولو في الحدّ الأدنى، أما اليوم فالناس مقطوع نفَسها والغالبية الكبرى فقدت مدّخراتها في البنوك وتدنّت قيمة مداخيلها وأصبحت تعيش تحت خط الفقر.
المطالب ليست كبيرة، والأمنيات محدودة ولا تتجاوز حدود الممكن. أليس ممكنًا أمام المسؤولين أن يبادروا إلى الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، ولا يزال الأمر متاحًا طوال اليوم الاثنين، لكن هذا الأمر مستبعد، خاصة بعد السقوف العالية التي بلغها الخطاب السياسي في اليومين الماضيين بين الأطراف الأساسية المعنية بشكل مباشر بتشكيل الحكومة الجديدة.
لذلك يبقى متاحًا انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا الحلّ هو الأفضل من كلّ الجوانب، لأنّ انتخاب الرئيس الجديد ستتبعه استشارات نيابية لتسمية الرئيس المكلف الجديد لتشكيل الحكومة الجديدة. بذلك نكون قد دخلنا في مرحلة جديدة بالكامل يمكن خلالها الانطلاق بالبلد وناسه من المربّع المقفل المليء بالأزمات المتراكمة والمعقدة إلى رحاب الحلول المتوافرة والموجودة قبل حصول الترسيم البحري، فكيف الحال بعد الترسيم وما يفتحه من آفاق كبيرة وواعدة؟
إذن فليبادر المعنيون إلى تلقف الحلول، والتلاقي مع بعضهم البعض، والاتفاق سريعًا على اسم الرئيس العتيد وعلى الحكومة الجديدة من دون إبطاء، والأمر ليس مستحيلًا خاصة ضمن الفريق الواحد الذي أثبت أنه يمتلك الأكثرية في المجلس النيابي، لا سيما في انتخابات رئيس المجلس ونائبه وأميني السرّ والمفوّضين واللجان بعد بدء ولاية المجلس الحالي في أواخر شهر أيار الماضي، والأمر نفسه تكرّر قبل أيام قليلة بالنسبة لانتخاب أميني السرّ والمفوّضين واللجان…
لا يريد اللبنانيون مطلقًا أن يهدر المسؤولون المختلفون فرصة نادرة لإخراج البلد من المأساة المالية والاقتصادية التي يعانيها منذ ثلاث سنوات تحديدًا، وذلك بعدم استفادتهم من الزخم الدولي والأوروبي الذي أكد جهوزيته لمعاودة الاهتمام بالشأن اللبناني ومساعدته للنهوض مجدّدًا، وذلك من خلال امتناع هؤلاء المسؤولين عن القيام بواجبهم الوطني في إنجاز الاستحقاقات الدستورية، ومن بعدها الشروع في ورشة إصلاحية شاملة تُعيد وضع لبنان على سكة الدول الطبيعية.
هل يعني ذلك أنّ بعض هؤلاء المسؤولين لا يقدّرون حجم الإنجاز التاريخي الذي ساهموا في تحقيقه والإمكانات الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية الكبيرة التي يوفّرها للبنان في حال عرفوا مواكبته وحمايته والبناء عليه، بدون هدر للوقت والفرص؟
وهل على اللبنانيين بأسرهم أن يتحمّلوا المزيد من انغماس بعض القوى السياسية في زواريب المصالح الصغيرة، حيث لا تبدو مهتمة برفع القهر وإزالة الجوع والذلّ الذي يعانيه اللبنانيون بسبب سياسات اقتصادية ومالية خاطئة، وأكثر من خاطئة بل يمكن القول إنها إجرامية في بعض نتائجها، ولا بدّ من وضع حدّ لمثل هذه السياسات التي لا تزال مستمرة في بعض المفاصل الرئيسية من الجسم الرسمي، إذ كيف يمكن تفسير ما أقدم عليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يوم الأحد الماضي حين أصدر تعاميم متعلقة بالتعامل في سوق القطع، فانخفض سعر صرف الدولار الأسود في يوم العطلة أكثر من خمسة آلاف ليرة، ولا شيء يمنع عودته إلى القفز صعودًا إذا ارتأى “الحاكم” أنّ له ولمن معه مصلحة في ذلك، حتى لو أدّى الأمر إلى كوارث حقيقية عند عامة الناس!
هل يجوز أن يمرّ كلّ هذا من دون سؤال أو محاسبة؟ وهل يمكن ترك البلد والناس رهينة في أيدي فارّين من وجه العدالة في لبنان والخارج؟