أيها الناخبون، إنكم مسؤولون عن مصير وطنكم ومستقبل أولادكم | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لم يعد يخاف على أحد أن قوى السُّلطَةِ قد سعت جاهدة بدهائها المعهود لضَمانِ فوزِها بالانتِخاباتِ النيابيَّة، مُنذ أن آثرت على السَّير بالعمليَّةِ الانتِخابيَّةِ في ظل قانون الانتخابات النيابيَّة النافذ حاليَّا، والمتضمن نقطة مخفيَّةً تتمثَّلُ في اعتماد الصَّوت التَّفضيلي على نطاقِ الدَّائرَةِ الصُّغرى، والذي تضمنُ تجيير أصواتِ مُعظمِ النَّاخبين للزَّعاماتِ التَّقليديَّةِ والاقطاعيين، ولمن يشترونَ أصواتِ الناخبينَ من جُيوبِهم أو بسلةٍ غذائيَّة.
المَرجَعيَّاتُ الحاكمةُ المتقاسمةُ للسُّلطةِ اطمانَّ أنها حَسمِت النَّتائجِ عَدديَّا لِصالِحِها مُنذ انتِهاءِ المُهلة المُحدَّةِ لقُبولِ طلباتِ التَّرشُّح، ولم يعد هناك ما يُقلِقُها فعليَّا وما عليها سوى انتظارِ إعلان أسماءِ الفائزين الذين سيشغُلُون المَقاعِدَ النِّيابيَّةَ. لأن مُعظمَ من سموهم أو رشحوهم لتلكَ المَقاعدِ ما هم إلا أدواتٌ بشريَّةٌ أشبهُ بأحجارِ الدَّامَةِ يتحكَّمُون بسُلوكيَّاتِهِم السياسيَّةِ والتي من خِلالِها يُحافظون على نفوذِهم في السُّلطة وتأثيرَهم في القرارِ السِّياسي بالإضافَةِ آلى مصالحِهِم المَنظورةِ وغير المَنظورة، على غِرارِ ما كان سائدا منذُ ثلاثَةِ عُقود.
الخاسِرُ الأكبرُ في كُلِّ ما حَصَلَ ويَحصلُ هو لبنان الوَطن، الذي ويا للأسفِ يتشكَّلُ من مَجاميعَ طائفيَّةٍ مَذهبيَّةٍ لم ترتقِ بعدُ إلى مَصافِ الوَطنيَّةِ الحِقَّةِ التي يتساوى فيها المواطنونَ في الحقوقِ والواجِبات.
على مستوى المجاميع اي ما اصطُلِحَ على تسميتِهِ بالمُكونات الوَطنيَّةِ فلن يكون هناك من رابحٍ بالمَعنى الحقيقي للكلمة، وإن نجح بعضُها في إحكامِهِ السَّيطرةِ على القرارِ السِّياسي في البلدِ فإن ذلك لن يطول كثيرا.
وحدَهُ المُكوِّن السِّني خَسِرَ مكانتهُ لصالحِ باقي المُكونات، وسيخسرُ تأثيرَهُ على السَّاحة السِّياسِيَّة المَحليَّةِ بانكفاءِ الحَريريَّةِ السِّياسِيَّة التي أسقَطَت ذاتها من المُعادَلَةِ فجأة، فتسبَّبت بإرباكٍ داخلَ هذا المُكونِ الذي انتابهُ الوهنُ نتيجَةَ تبني خَياراتٍ استراتيجيَّةٍ خاطِئة. الأمر الذي أدَّى إلى تغييبِ أحد أهمِّ مُرتكزاتِ الاستِقرارِ على السَّاحةِ الوطنيَّة، وهذا سيؤدي إلى خللٍ غير مَسبوقِ في إدارَةِ شؤونِ الدَّولة، وبالتالي سيتسبَّبُ بعدمِ استِقرارِ وإرباكٍ وتخبُّطٍ سياسيٍّ وربما أمني بانتِظارِ ما ستؤولُ إليه الأُمورُ على السَّاحتين الدَّوليَّةِ والاقليميَّة، إلى ان تنجلي الأمورُ فرزِ المواقفِ الدوليَّةِ والمَحليَّةِ وتبلورِ مُرتكزاتِ استِقرارِ جَديدَةٍ على المُستوياتِ الثلاثةِ: الدَّوليَّةِ والاقليميَّة والمَحليَّة في لبنان.
التساؤلُ الذي يَتبادرُ إلى الذهنِ يكمنُ في معرفة ما اذا سيكون بمَقدورِ لبنانَ تحمُّلُ انعكاساتِ كًلِّ ما حصلَ ويَحصل في الوقتِ الذي هو غارقٌ في أزماتِهِ السِّياسِيَّةِ والاقتِصاديَّةِ والماليَّةِ والمَعيشيَّة؟ الجوابُ واضحٌ إذ ثمَّةَ مؤشِّاتٍ توحي بأن لبنان سيكون أمامَ مَخاضٍ عسير، ليس من السَّهلِ تجاوزَه من دون أكلافٍ باهِظَةٍ قد لا يَستطيعُ الشَّعبُ اللبناني تحَمُّل أوزارَها.
للأسف رغم كلِّ المخاوفِ يبدو ان الأقطابَ الاساسيين عملى السَّحةِ اللبنانيةِ مُتلهون في سعيهم لتحقيقِ ادأقدرِ قدرٍ من المَغانم من وراثة الحَريريَّةِ السِّياسيَّةِ ورُبما وراثةَ المكونِ السُّني بكُليَّته حتى قبل أن يُعلِنَ استسلامَه أو يُعلنُ موتُهُ سياسِيَّا. وسيدفَعُ لبنانَ بكُلِّيَّتهِ ثمنَ تغييبِ هذه الطائفةُ عن السَّاحَةِ السِّياسِيَّةِ “باعتبارِها شريك وازن ومُعتدل ومؤثر في استِقرارِه الداخلي كما في الحِفاظِ على مَكانتهِ الإقليميَّةِ والعَربيَّةِ على وجهِ الخُصوص.
الشَعبُ اللبناني رغمَ كلِّ مُعاناتِهِ ما يزالُ مُحجمٌ عن حِمايةِ مصالِحِهِ وحقوقهِ الوطنيَّة، ويبدو وكأنه شَعبٌ مُمانعٌ للتَّغيير نحو الأفضل لتقاعُسِهِ وتخاذُلهِ في مُمارسَةِ دورِه التَّشارُكي في الحياة السِّياسيَّة، ولتنازله عن ادنى حقوقه كمواطنٍ شريكٍ في ابحياة السياسيَّة، وهو بذلك يسهمُ عن غير وعيٍ في تكريسِ رُموزِ السُّلطَةِ الحاكِمَةِ في مواقِعِهم.
والخطورةُ الآن في هذا الاستحقاقِ الانتِخابي تَتمثَّلُ في عَدمِ وَعي الناخبينَ لواجبِهم الانتِخابي، إن امتنعوا عن الاقتراعِ او منحوا ثقتهم للطاقم السياسي الذي اوصلَ البلد إلى هذا المأزق المأزوم، وهذا سيكون بمثابةِ منحِ الطغمةِ الحاكمةُ مُجدَّداً غطاءً يتذعونَ به بمَشروعِيَّةَ وجودِهِم في السُّلطةِ بمُجردِ فوزهم بالانتِخاباتِ النيابيَّةِ، لا بل ستكونُ بالنِّسبةِ إليهم بمثابَةِ صَكِّ براءَةٍ عن كُلِّ ارتكاباتِهِم خلالَ العُقودِ الثلاثةِ الماضيَة.
مما لاشكَّ فيه أن الاقطابَ السياسيين المخضرمين مطمئنون على مواقِعِهم ومُحاصَصاتِهم ومُقاسماتهم السِّياسِيةِ القادِمَة، كما يبدو أنهم متوافقون على تحاصُص الالتزاماتِ والمَشاريعِ وعملياتِ تَخصيصِ القطاعاتِ الخدماتيَّةِ الرَّئيسيَّةِ من كهرباء وماء واتصالاتٍ وغيرها…لطالمَ كان المحللون والخبراءَ متوجِّسونَ مما يخبؤهُ المقبل من الأيان، أما اليوم فظاهرةُ القلقِ عامَّ محورها الخشيةُ على مَصيرِ الكيانِ اللبناني وما ينتظرُ شعبه المِسكين.
كيف للشَّعبِ ألا يقلقَ وهو يعيشُ حياتهُ يوما بيوم يكابدُ جاهدا لتأمين الضَّروراتِ اليوميَّة في ظلِّ ظروفٍ قاسيةٍ مُذلةٍ على كافةِ المُستويات والمجالاتِ، جرَّاء العيش من دون كهرباءٍ او لعدم قدرتِه على تامينِ المحروقاتِ للتدفئةِ او التَّنقل، او لجهةِ تأمين الموادِّ الغذائيَّةِ ولو كانت من أردى الأصناف. والخوف كل الخوفِ من أن يأتي يومٌ يَعحزُ فيه الفردُ عن دفعِ ثمنِ رَبطَةِ الخُبز.
نعم، من حقِّ هذا الشَّعبُ أن يَقلقَ على لُقمةِ عيشه، وصِحَّتِه كما على مُستقبل أبنائه، بل من بديهيَّاتِ الأمورِ أن ينتفِضَ لكرامتهِ التي تُهان كُلَّ يومٍ أمامَ المُستشفياتِ، والصَّيدلياتِ ومَحطَّاتِ المَحروقاتِ والأفرانِ والسوبرماركت ومحالِّ الخُضارِ والفواكِه.
إن الشَّعبَ لمُطالبٌ في أن يعي واجِباتهِ الوَطَنيَّة، ودورَهُ في تقرير مَصيره.
وعليه أن يعي أيضا أن اشتدادَ الأزماتِ سيُلقي عليه الكثير من الأعباءِ والهُمومِ مستقبلا، إلى حدٍّ لن يكون بمُستطاعِهِ تحمُّلُها. كيف لا وهو يعاني المٌرَّ من قرِّ الشِّتاءِ وسيعاني الأمرَّين من حرِّ الصَّيف، وخاصَّة من قاطِني المُدُن السَّحليَّة.
يبدو واضحا اليومَ أن الشَّعبَ سيدفعُ ثمنَ عدمِ مُطالبتِهِ بتعديلِ قانونِ الانتِخاباتِ الحالي، وتسليمه بخيار السلكةِ الحاكمةِ التي أصرَّت على إقرارِ قانونٍ مَسِخٍ يُشوِّهُ روحَ العَمليَّةِ الانتخابيَّةِ إحدى أهم أدواتِ الممارساتِ الدِّيمقراطيَّة، لمونه يُكرِّسُ التَّوارُث السِّياسي، ويَحصُرُ الفوزَ بالمَقاعِدَ النِّيابيَّةِ بأتباعِ الزَّعيم الذي حيكت الدَّائرةُ الانتخابيَّةُ على قياسِه السياسي.
يتوجَّ على الشَّعب أن يعملَ على التَّخفيفِ من مخاطرِ هذا القانون، بأن يُحسنَ خيارتَه عند مُمارسَةِ حقِّ الاقتراعِ بأن يمنحَ صوته لأشخاصٍ مَشهودٌ لهم، بحِكمتِهِم وبعد بصيرَتِهم، كما بمناقبيَّتهم، ومستواهٌهم العلمي؛ وبثباتِهِم على مواقِفِهم، وقُدرتهم على المواجَهة، وأهليتَهُم في مَجال التَّشريعِ، والمٌساءلة.
إن من ينبغي أن يُصوتَ لهم الناخبون هم المُرشَّحون الذين يتبنونَ جَهارةً العملَ على تحقيقِ العدالَةِ من خِلالِ المُطالبَةِ بتشكيلِ لجان تحقيق برلمانيَّةٍ-قضائيَّة لكشفِ ملابساتِ كل ما له علاقة بالفساد عامَّةً وهدِ الأموالِ العامَّةِ او تبذيرِها او اختِلاسِها سَواءَ بصَفقاتٍ مَشبوهَةٍ او سوء إدارةٍ او بغيرِهها.
ينبغي أن يُحثرَ التَّصويتُ لمن يتَّخذون على عاتقِهم مَسؤوليَّةَ السَّيرِ في قضيةِ انفجارِ مرفأ بيروت ومتابعتها حتى خواتيمها، وملاحقة كل الضَّالعينَ في هذه الفاجِعةِ الوطنيَّةِ بما في ذلك المُتواطئين والمهملين او المُقصِّرين في أداء واجباتِهم أيًّا كانت مراكزُهُم، او الحَصاناتُ التي يتلطون خلفَها.
على الناخبين أن يتوجهوا بأصواتِهِم إلى المُرشَّحين الذين يتبنون إجراء تحقيفٍ موسَّعٍ في كل ما له علاقةٍ بانهيارِ ماليَّةِ الدولةِ والوقوفَ على أسباب ذلك، ومُلاحقةِ المسؤولينَ عن اعتمادِ خياراتٍ ماليَّةٍ ونقديةٍ ثبتَ فشلُها.
على الناخبين أن يحصروا تصويتهم بمن يتبنون السَّيرَ بعمليَّةِ استِعادَةِ الأموالِ التي هُرِّبت إلى الخارج بناء لتلميحَةٍ من حاكِمِ مصرف لبنان أو أي من نوابه والعاملين تحت سلطادته، او تعليمة (كما يجري في مُراهناتِ سباقاتِ الخَيل) .
على الناخبين أن يتوجَّهوا بأصواتهم إلى مُرشَّحين يتبنون علنا العَملَ على تحصينِ الجِهازِ القضائي من التَّدخلاتِ السِّياسيَّةِ كما من النشوزِ في سُلوكيَّاتِ أفرادِ هذا الجهازِ، بما يكفلُ تحقيق مُقتضياتِ العدالةِ من الحرصِ على نزاهَةِ القضاةِ واستقلاليَّتهم.
وأختم بالتوجه للناخبين قائلا أيها الناخبون إنكم مسؤولون عن مصير وطنكم ومستقبل أبائكم، كما إنكم لمحاسبون أنام الله كما أمام ضمائركم، وأولادكم وأخفادكم، لذا وجب عليكم الاحتكامُ إلى العقلِ لا للغرائز، وإلى الضَّمائرِ لا لما يودعع في جيوبكم لا سمح الله. أنتم مدعوون لتغليب المصلحةِ العامة على المصلحةِ الفرديَّةِ أو الفئويَّة.