يكثر الكلام والتنظير حول الحلول المنتظرة او المطروقة في لبنان، على قاعدة “أحبوا بعضكم بعضًا”، بحسب طريقة ابو ملحم الشهيرة رحمه الله.
ثمة تسطيح للمقاربات بعيدا عن الواقع، فلا احد يقارب الحقيقة كما هي حول عمق الإنقسام العامودي بين مشروعين، يشبهان الخطين المتوازيين اللذين لن يلتقيا ابدا، حتى بعون الله تعالى. وهنا تصح مقولة لا حول ولا قوة الا بالله.
لم يبقَ في لبنان سوى المواربة، وانتظار حلول مجزؤة نتيجة التهرب من مقاربة الواقع الحقيقي للمأزق.
ينسى البعض او يتناسى ان ثمة فريق يحمل اجندة أميركية خليجية، تتصل بما يدبر للمنطقة، غير آبهة بما قد يدفعه لبنان من أثمان لذلك، وثمة فريق مقابل يعتبر ان رأسه مستهدف من قبل المشروع المقابل، وهو سيحافظ عليه بأي ثمن، وفي ذات الوقت نطلب من هذين المشروعين ان يتساكنا.
كلا المشروعين لا يهمهما المواطن اللبناني، ولا يأخذان بالحسبان، لا همومه ولا معاناته، حتى لو تدهور الوضع الى ما هو اسوأ من ذلك، فالأول يريد تنفيذ اجندته المدعومة أميركيًا وخليجيًا، سواء بطريقة مباشرة او مواربة بعد ان عجز عن تأمين أكثرية مريحة، تمكنه من تنفيذ اجندته، رغم الدعم الاميركي والخليجي، والثاني يعتبر نفسه مستهدف ومطلوب رأسه، وعليه المحافظة على رأسه حتى لو خربت البصرة، وحتى لو مات الشعب جوعا، وهي حالة لم تعد بعيدة على كل حال.
لم يعتد هذا الوطن عبر تاريخه منذ تأسيسه ولغاية الآن ان يحل مشاكله ذاتيا، الا عبر تدخل خارجي، يفرض ارادة غير طوعية للمساكنة، مع الإبقاء على بذرة الإختلاف بداخله، تنتظر فرصها لتعبر عن نفسها مجددًا.
المشكلة الآن ان الظروف مختلفة اقليميا ودوليا، فلا توافق لا اقليمي ولا دولي على استنقاذ هذا البلد، او ابتداع صيغة توافقية للحل بحدودها الدنيا، اولا بسبب جذرية المشاريع الداخلية، وثانيا بسبب تغير المناخات الدولية واضطراب موازين القوى، فلم يعد متاحا للاميركي على سبيل المثال النزول على شواطىء الاوزاعي كما حصل عام ٥٨، ولا مطروح صيغة قوات متعددة الجنسيات كما حصل ابان الإجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢، بالمقابل لا تسمح الظروف الإقليمية والدولية بإعادة ادخال الجيش السوري الى لبنان، ليعود مجددا وصيا على الطبقة السياسية ويديرها، لإعتبارات عدة، منها عدم امكانية التوافق الدولي والإقليمي من جهة، ولإعتبارات موضوعية تتعلق بالداخل السوري من جهة اخرى، ناهيك عن تجربته المرة في لبنان، فهو لا يريد تكرارها.
المآزق باقية، وهي كما قال امرؤ القيس ” مقيمة ما اقام عسيب”، وعسيب هو جبل مستقر ولن ينتقل من مكانه بحسب توصيف امرؤ القيس، وبحسب الحقيقة والواقع.
يحاذر الجميع الإنفجار، نظرا لتداعياته على مصير البلد بقاءًا أو زوالاً، فمن يستطيع لا يريد، ومن يريد لا يستطيع، سيبقى الوضع مساكنة بالإكراه مع خطاب عالي النبرة على كلا الجانبين، وستكون حياة المواطن ومعاناته ولقمة عيشه التي باتت مغمسة بالذل آخر هموم المتصارعين، فلا اصلاح، ولا انقاذ، ولا تغيير، ولا حكومة، ولا رئاسة، وانما قلق متبادل من الأجندات المتضاربة سيدفع ثمنها المواطن مزيدا من البؤس واليأس والمعاناة إلى ان يقضي الله امرًا كان مفعولاً.