أَين لبنان على عُمْلة لبنان؟ | بقلم هنري زغيب
في مأْلوف الأَوراق النقدية لدى كلِّ دولة أَن تحملَ كلُّ فئة منها صورةً أَو رمزًا من رُمُوز البلاد، لأَن هذه الأَوراق تنْتَقِل يوميًا في أَكُفِّ ملايين المواطنين في العالم، فَتَتَنَقَّل هذه الرموز وتلك الصور على أَوسع مساحة بشرية بين البلدان.
في البلدان التوتاليتارية، الأَمر محسوم: على العُملة صورة الحاكم إِبَّان حكمه، حتى إِذا أُطيح تبدَّلَت الأَوراق النقدية لتتصدَّرَها صورة الحاكم الجديد. وفي البلدان غير التوتاليتارية، تتنوَّع الرموز والصوَر على الأَوراق النقدية فتحمل صُوَر خالدين من البلاد أَو مناظرَ ومشاهدَ من طبيعتِها أَو معالِمها الأَثرية والسياحية. وإِذ أَنعم القدَر علينا بأَننا لسنا بلدًا توتاليتاريًّا، لم يُنْعِمْ علينا بذكاء أَوراقنا النقدية نرى عليها ما يرمز إِلى لبنان، عدا صورة الأَرزةِ صغيرةً منزويةً كأَنْ خجَلى في زاوية ثانوية من جميع فئات عُمْلَتنا.
أَمامي ورقة 1000 ليرة، عليها أَشكال هندسية تعبيرية وخطوط تجريدية ومربعات صمَّاء لا تعني شيئًا، ومثلُها ورقة 5000 ليرة، وتتميز ورقة 10،000 ليرة بصورة تمثال الشهداء من دون أَيِّ كلامٍ تحته يدل عليه، خصوصًا للجيل الجديد. وهذه ورقة 20،000 ليرة ذاتُ خطوط ورسوم هندسية، ومثلُها ورقة 50،000 ليرة إِنما بإِضافة رسْمٍ أَحمرَ صغيرٍ لم أَفهم إِنْ هو مركبٌ أَو مقْلاة للطبخ، ثم ورقة 100،000 ليرة عليها أَشكال يمكن تفسيرُها اعتباطًا بين مغزال وشلح أَو سنبلة أِو عنقود عنب.
إِذًا: أَين لبنان في هذه الرموز والخطوط وأَشكالٍ تجريدية باهتة لا جمال فيها ولا ذوق؟
وبما أَن الدولار الأَميركيّ بات العملة الثانية عندنا، بل العملة الرديفة غالبًا، أَتطلَّع في أَوراقه فأَرى عليها صورًا لعظماء البلاد ومعالِمها الرئيسة: على ورقة الدولار صورةُ أَحد الآباء المؤَسسين جورج واشنطن وعلى مقْلبها ختْمُ الجمهورية الكبير، وعلى ورقة 5 دولار صورة محرّر الرقيق أَبراهام لنكولن الرئيس السادس عشر وعلى مقْلبها صورةُ تمثاله على مدخل مبنى متحفه، وعلى ورقة 10 دولار صورة أَحد الآباء المؤَسسين أَلكسندر هاملتون أَول وزير مالية بعد الاستقلال وعلى مقْلبها صورةُ مبنى وزارة المالية، وعلى ورقة 20 دولار صورة الرئيس الأَميركي السابع إِندرو جاكسون وعلى مقْلبها صورةُ البيت الأَبيض، وعلى ورقة 50 $ صورةُ قائد النصر في الحرب الأَهلية الرئيس الأَميركي الثامن عشر يوليسس غرانت وعلى مقْلبها صورةُ مبنى الكونغرس، وعلى ورقة 100 $ صورةُ أَحد الآباء المؤَسسين بنيامين فرنكلين وعلى مقْلبها صورةُ مبنى الاستقلال في فيلادلفيا حيث أَعلن فرنكلين الدستور والاستقلال.
طبعًا لكلٍّ من هؤَلاء الأَعلاه فضلُهُ في نهضة أميركا التي ليس فيها 6 و6 مكرر، ولا زبائنيات ومحسوبيات وشخصيات سخَّرت الدولة لخدمتها، بل كانت هي في خدمة الدولة.
وأَعود إِلى السؤَال الأَساس: أَين لبنان على عُملة لبنان؟ لا أَدري مَن المسؤُول عن فكْرة الرسوم على الأَوراق النقدية. لكنني أَدري أَن أَهلَ سُلطة مختلفين متنافرين متخاصمين لا يملكون انتخاب رئيس لدولتهم، يستحيلُ اقتراحُ أَحدٍ منهم دون الآخر على الأَوراق النقدية كما كبارُ رؤَساء أَميركا وبلدانٍ أُخرى تكرِّس خالديها على عُملتها. ولكنْ، أَين مناظرُ لبنان السياحية ومعالِمنا التاريخية والأثرية؟ أَين صُوْر وصيدا وبعلبك وطرابلس وبيروت وسائرُ واحاتٍ لنا فريدةٍ نباهي بها العالم، كي لا تنشبَ حربٌ داخلية تافهة بوضْع صورة سياسيين لا يستحقُّون صُوَرَهم على العُملة ولا حتى أَن يظلُّوا في الذاكرة؟
إِن دولة لا تعتزُّ بمعالمها، آيلةٌ إِلى الرماد. وها نحن بين أَنياب سُلطةٍ ظلَّ أَهلُها يتناهشونها حتى أَوصلوها إِلى الخراب، وأَبشعُ الخراب أَنهم ما زالوا هُم هُم في السُلطة منذ عقود، لغباء أَزلامهم الببغاويين الاستزلاميين لم يفهموا بعدُ أَن مَن خرَّبوا في الحكْم دولةَ لبنان لا يستحقُّون أَبدًا شرفَ أَن يستمرُّوا في تَوَلِّي الحكْم.