إسرائيل تستنجد وقف إطلاق النار، لم نعد نحتمل… | بقلم د. محمود الحمصي
بعد انقضاء فترة السماح الأميركية وانتهاء صلاحية القبة الحديدية وعدم جدوى الأدعية التلمودية وإخفاق رصد المسيرات اللبنانية، ها هي اليوم إسرائيل تستعطف مؤسسيها للخروج من بؤرة غزة ولبنان، لقد استنزفت وضعفت وأصبحت كالجرذ الجريح الذي خطأ طريقه ودخل في أرض الذئاب ولا يجد مهرب بعدما حوصر من أصحاب الأرض.
بعد ثمانية أشهر ونيف، علا صوت فحيح الدول الداعمة لإسرائيل بضرورة وقف الحرب فلم تعُد تستطيع حماية كيان وعد بالاستيطان والاستثمار والاستقرار وفشل فيهم جميعاً، لقد تم جمعهم من شتى انحاء الأرض ليعيشوا بسلام وإذا بهم كرب على المنطقة بأسرها.
بالأمس أطل أموس هوكستاين علينا حاملاً رسالة تهديد ووعيد إسرائيلية وكان مضمونها حرفياً بأن تجيبوا أيها اللبنانيين، اما تسحبوا قواتكم أو نأتي اليكم، فما كان رد لبنان سوى بمسح شمال فلسطين المحتلة وتصوير كافة المراكز العسكرية، فكانت رسالة واضحة: ليعلم الجميع، لا وقف للحرب الا بوقف حرب غزة. وكانت اولى علامات النصر هي بلسان وزير خارجية أميركا انطوني بلينكن الذي أعلن للعالم والمجتمع الإسرائيلي بشكل واضح “ان وقف اطلاق النار في غزة هو السبيل الوحيد لوقف هجمات حزب الله على إسرائيل”.
إذن، إعلان هزيمة واضح بلسان راعي الكيان الإسرائيلي، فقد اعلنت أميركا مراراً وتكراراً أنها ليست وسيطاً بل هي طرفاً وشريكاً للحرب على حماس، والجدير بالذكر ان العمليات العسكرية كانت تتم بمشاركة عملانية من الجيش الأميركي في أرض غزة، إضافة إلى الخطط العسكرية التي تسبق أي هجوم، فأميركا تعلم علم اليقين إمكانيات إسرائيل وعقديتهم القتالية وتعلم أن إسرائيل من دون مساعدة أميركية مباشرة قد تفشل فشلاً ذريعاً وقد تنتهي في ليلة وضحاها، كما أن أميركا تعلم أيضاً أن من يقاتل اليوم في إسرائيل هي مرتزقة أتت بهم الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية للقتال نيابة عن الجيش الإسرائيلي الذي أنهك تماماً وقد دخل مستنقع من الموت وحرب استنزاف على جبهتين لا يعلم كيف تنتهي وهل سيبقى كيان أم ينتهي بانتهاء الحرب.
منذ صنع الكيان أي منذ ستة وسبعون عاماً، والشعب الإسرائيلي يعيش الشتات والقلق وعدم الاستقرار في أرضه بالرغم من فائض القوة التي عززتها الدول الغربية لديه بعد الحرب العالمية الثانية، فلم يتأسس هذا الكيان سوى لوضع قوة غربية تحمي خاصرة الغرب من المشرق العربي، ظنا منهم أن جيوشاً سوف تتوحد عليهم فتم الموافقة على صنع كيان مستقل تقوده حركة صهيونية متشددة تعمل لجمع اليهود مثيري الشغب من أوروبا ووضعهم في بلد بعيد بسبب تقزز الغربيين منهم.
لقد طلب الغرب حينذاك من الإسرائيليين استيطان أرض فلسطين وبناء مؤسسات خاصة بها واستثمار الموارد الموجودة بفضل طبيعة الأرض الفريدة والاستقرار في تلك الأرض والحفاظ على بناء علاقة مع المحيط والعمل على البقاء على تفوق عسكري لهم في الشرق الأوسط، لم تهنأ لهذا الكيان هذه البقعة المحتلة، فبهذه الإمكانيات العسكرية والقومية والدينية التي غذى بها شعبه طوال الاعوام السابقة يستطيع أن يحتل ويأخذ الأرض الموعودة أي من النيل إلى الفرات، فلم تجني حروبهم واطماعهم وتوسعهم سوى بزيادة العداء مع المحيط وفشل الاستقرار والاسيطان والاستثمار والاحتلال والذي من المفترض ان يكون حامي الغرب من المشرق العربي، اصبح الغرب كل يوم يحمي هذا الكيان ولولا الغرب لكان كياناً لم يبصر النور.
ان ما يحدث في غزة اليوم من مجازر وتشريد وقتل حصل يوما في لبنان، فلا قرارات أممية حمت الشعب اللبناني ولا قررات أممية حررت أرضه بل بمقاومة طورت نفسها بنفسها وبإمكانيات ضئيلة، كنا يوما نحلم باليوم الذي نستطيع أن نحمي انفسنا من إسرائيل، ننظر الى الطيران ولا نعلم اين سيضرب، ننام جنبا إلى جنب مع العائلة حتى اذا ضربنا نموت جميعا ولا يبقى منا من يتحسر على فقدان من يحبه، نصحى ليلا، نتكلم بصمت ظنا منا ان الطيران سوف يسمعنا، عشنا هذه الحياة، تمسكنا بأرضنا وتعاظمت قوة المقاومة يوما بعد يوم حتى أصبحت قدرتها تتعدى الكيان نفسه وتعلم ماذا يوجد في شمال فلسطين المحتلة وقادرة على حماية ارضها وشعبها.
ان الكيان الإسرائيلي لا يعترف بشرعية دولية ولا بحقوق إنسان ولا حتى بإنسان، حتى من وافق على السلام معهم في الضفة، لقد ‘صبحت الضفة مستوطنة كبيرة لهذا الكيان فقد تركوا باقي الأراضي وسعوا الى الاستيطان فيها وبالرغم من القرارات الدولية لوقف الاستيطان اكمل الكيان قضمه لمناطق منزوعة السلاح ومؤيدة للكيان شرط اعطائها حقها في العيش في بسلام. فلا سلام ولا استقرار وقرارات الأمم المتحدة لا تساوي الورق التي كتبت عليه بالنسبة لهذا الكيان، مع العلم، ان لبنان كان هدفا لبناء الاف المستوطنات على الساحل اللبناني من صيدا الى الناقورة، ومن ثم كل الأراضي اللبنانية، كان السعي الإسرائيلي لو حصل سلام لبقاء قوات أمنية لبنانية بسلاح خفيف، سلاح أبيض او عصا إذا أمكن ليتم استخدامهم لمنع التجمع ومشاهدة أراضيهم يتم زرعها وبناء منازل فيها من قبل الإسرائيليين. ان عدائهم ليس مع فلسطين او لبنان بل مع كل العرب، فهم يعلموا انهم محتلون ويعلموا أيضاً انهم مقيمون لفترة وسوف يغادرون هذه الأرض الطاهرة التي دنستها قوافرهم. لا مكان لإسرائيل بيننا نحن الدول العربية، ان العداء مع إسرائيل ليس سياسياً فقط بل هو عقائديا، ومبدئيا، ولغويا، ولا دخل لكراهية اليهود وفاليهود كدين هي مرحب بها وهي موجودة بيننا منذ مئات السنين ولكن المشكلة تكمن بهذه الحركة الصهيونية الشيطانية اليمينية الداعشية المتشددة التي تستخدم الدين لفرض اجندتها السياسية، فلا نفع ولا ينفع معها سلام بل القوة والقوة المطلقة.