“إسرائيل” تُهدّد و”الحزب” يَستعدّ.. مَن يبدأ الحرب المفتوحة؟ | بقلم محمد حمية
مرّ العام 2023 ضمن المستوى القائم من العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ليفتتح العام 2024 على تساؤلات حول مصير الحرب في غزة وما إذا كان الوضع على الحدود سيبقى ضمن سقف قواعد إشتباك معينة أم سينتقل الى مرحلة جديدة تصل الى حرب مفتوحة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي؟.
منذ 8 تشرين الأول الماضي أشعل حزب الله جبهة الجنوب إسناداً لغزة، واختار مواقع الإحتلال في مزارع شبعا نقطة البداية لعملياته العسكرية لكونها لبنانية وفق البيان الوزاري للحكومات اللبنانية المتعاقبة، ما فتح مساراً من الردود والردود المقابلة، لكن عوامل الردع المتبادل بين “إسرائيل” و”الحزب” والحسابات الداخلية لكل منهما والظروف الإقليمية والدولية الراهنة، فرضت حدوداً معينة للعمليات العسكرية على جانبي الحدود، لكن بدا واضحاً أنها بدأت تأخذ مساراً تصعيدياً بشكل تدريجي ولو أنها كانت تحافظ على قواعد إشتباك معينة. إلا أنه مع تصعيد الإحتلال في غزة وضرواة القصف المتبادل في الجنوب، توسّعت قواعد الإشتباك تلقائياً من دون قرار من الطرفين، لكن حسابات الميدان في غزة وموازين القوى الميدانية اليومية كانت تتحكم بهذه القواعد، وتدرّجت لتطال استهداف الطواقم الصحافية ومراكز عسكرية كما حصل في بيت ياحون مقابل استهداف المقاومة لثكنات عسكرية إسرائيلية، وبقيت الضربات ضمن هذا النطاق مع بعض الإستثناءات (مجزرة عيناتا)، لكن تطورت الأمور بشكلٍ دراماتيكي في الأيام الأخيرة من العام الماضي لتطال أولاً مناطق خارج جنوب الليطاني مثل جبشيت وجسر الخردلي وجبل الريحان، وثانياً طالت المنازل والمدنيين كما حصل في مجزرة بت جبيل، ورد حزب الله العنيف بإطلاق 100 صاروخ و10 مسيّرات على الأ{اضي المحتلة وصل بعضها الى حيفا.
لكن غرق جيش الإحتلال في مستنقع غزة وسحب أولوية النخبة وفشل حكومة الحرب الإسرائيلية بتحقيق أهداف الحرب العسكرية والسياسية، والصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية وتصعيد جبهات محور المقاومة والتحول في الرأي العام العالمي والخطوط الحمر الذي رسمها البيت الأبيض للحرب، وضعت حكومة الإحتلال أمام جملة أزمات ومآزق كبيرة قد تطيح بحكومة الحرب وتُسبّب هزيمة كبيرة لكيان الإحتلال أهمها مأزق الأمن في غلاف غزة وعلى جبهة شمال فلسطين المحتلة إضافة إلى ملف الأسرى لدى حماس. لذلك يلعب الطرفان سياسة حافة الهاوية على إيقاع موازين قوى ردعية، لكن حكومة الإحتلال وصلت إلى مرحلة حسم الخيارات على صعيد جبهة الجنوب: التأقلم مع موازين القوى وقواعد الإشتباك التي تفرضها المقاومة يومياً في الجنوب، أو الهروب الى الأمام بحرب على لبنان للأسباب التالية:
*استعادة هيبة جيش الاحتلال وقوة الردع الإسرائيلية
*محاولة لتغيير قواعد الإشتباك.. وعملياً بدأ جيش الإحتلال بتطبيقه باستهداف المدنيين مع استخدام الغارات المزدوجة الشديدة الإنفجار لسببين: الضغط على حزب الله في بيئته الحاضنة لدفعه للتراجع تحت ضغط الخسائر، أو تدفيعه ثمن هجماته ووقوفه مع غزة، والثاني توازن ديموفراغي – تهجيري، في ظل تهجير 150 ألف مستوطن هم أغلبية سكان الشمال، فيما معظم أهال الجنوب في قراهم.
*توريط الأميركيين بحرب إقليمية لربطها بالحرب على غزة، وبالتالي ربط مصير حكومة الحرب بمصير الإدارة الأميركية وحزبها الديمقراطي، وحينها وتضيع هزيمة “إسرائيل” بالتسوية المفترضة وتوزع كلفة الحرب على “إسرائيل” وأميركا وحلفائهما.
لكن أي حرب عسكرية تهدف لفرض أهداف سياسية، وبالتالي “إسرائيل” تهدف لإبعاد حزب الله 10 كلم عن الحدود مع منطقة عازلة ونشر “قوات اليونفيل”، بهدف استعادة الأمن الى الشمال وإعادة المستوطنين المهجرين، لكن هل تستطع تحقيق الهدف بالقصف الجوي فقط من دون عملية برية واسعة؟ وهل بإمكانها القيام بهذه العملية بعد الهزائم المتتالية في 7 تشرين وجولتي الحرب الاولى والثانية؟.
يشير خبراء عسكريون الى أن تركيبة الجيش الإسرائيلي لا تسمح له بالقتال على جبهتين، لا سيما وأنه لم يربح حرب غزة حتى الآن.. ولو حقق أهدافه بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وبسط سيطرته الأمنية على القطاع، لكان يمكن أن يدخل برياً إلى لبنان لتأمين مناطق الشمال على الحدود، لكنه نقل مؤخراً عشرة آلاف من وحدات النخبة من جبهة الشمال الى جنوب وشمال وشرق غزة.. ووفق مصادر ميدانية في المقاومة فإن حركة الجيش الإسرائيلي وخريطة انتشاره لا توحيان بعملٍ عسكري بري واسع قريب على لبنان.
أما لجهة المقاومة فهي تدرس خياراتها ووضعت حدوداً للمبادرة بالحرب المفتوحة على “إسرائيل”: عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، واقتراب لحظة القضاء على حركة حماس في غزة.
ولذلك يدرس الحزب ضرباته لكي لا يكون البادئ بالحرب، ولكي تكون “إسرائيل” هي التي تبدأ الحرب المفتوحة وتكون المقاومة في موقع الدفاع عن النفس، وهذا يكسبها مشروعية شعبية ودولية أكبر.
ويرى الخبراء العسكريون أن الجيش الإسرائيلي ليس بمقدوره شن حرب جديدة وواسعة على لبنان بسبب توزع قواه على جبهات عدة، كما أن الحكومة الإسرائيلية والكيان الإسرائيلي لا يحتملان هزيمة أخرى بعد هزيمة غزة، اضافة الى وجود خطوط حمر أميركية على أي حرب إسرائيلية على لبنان.
لكن الخبراء يخشون بأن إطالة أمد الحرب في غزة يرفع احتمالات الحرب على الجبهة الجنوبية وفي المنطقة، لا سيما وأن الحرب في غزة قد تطول بسبب تعنت حكومة الإحتلال من جهة والشروط القاسية التي وضعتها حماس والمقاومة الفلسطينية من جهة ثانية وأبرزها: وقف دائم لإطلاق النار، تبييض السجون ، فك الحصار وإعادة الإعمار وإقامة دول فلسطين الحرة، والتي لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية تحملها.