إسلاميو لبنان والمراجعة المطلوبة: من يبدأ أوّلًا؟ | بقلم قاسم قصير
واجهت الحركات والتنظيمات والجماعات الإسلامية في لبنان الكثير من التحدّيات والإشكالات في السنوات الأخيرة، ومن بينها “حزب الله” التنظيم الإسلامي الأقوى والأكثر انتشارًا الذي نجح في أن يكون في الموقع الأهمّ في الخريطة السياسية الداخلية بفضل تحوّله إلى قوّة إقليمية في المنطقة، لكن يواجه اليوم بسبب الأزمة الراهنة في لبنان تحدّيات مهمّة على صعيد علاقاته بالمكوّنات اللبنانية وكيفيّة انخراطه في إطار الدولة والالتزام بسياسات جديدة تساهم في إعادة تنظيم العلاقات بين لبنان والدول العربية.
بدورها تحتاج الحركات والجماعات الإسلامية الأخرى في لبنان والعالم العربي إلى إجراء مراجعة شاملة لمسيرتها الحركية والتنظيمية والفكرية والسياسية، ولا سيّما بعد السنوات العشر الأخيرة التي شهدت تطوّرات مهمّة في أداء الحركات الإسلامية وفي دورها السياسي خلال الأزمات التي واجهتها الدول العربية، وتراجعًا كبيرًا في دور ما يسمّيه البعض “الإسلام السياسي”.
دولة وطنيّة وإسلام سياسيّ
في هذا الإطار قام العلّامة السيّد علي فضل الله يوم الإثنين الماضي بزيارة الأمين العامّ الجديد “للجماعة الإسلامية” في لبنان الشيخ محمد طقوش لتهنئته بمنصبه الجديد، وتحدّثا عن أهميّة إجراء مراجعة عامّة لأوضاع التيارات الإسلامية.
ما طرحه السيّد فضل الله مع الشيخ طقوش أصبح ضرورة، سواء على المستوى اللبناني أو على الصعيد العربي. فالناظر إلى دور الحركات والجماعات الإسلامية في عدد من الدول العربية يلحظ حالة التراجع والإنقسامات التي تعانيها، إضافة إلى الفشل في تجربة الحكم والإدارة، وصولًا إلى طبيعة وإشكالية الدور الذي تقوم به في مواجهة مشروع الدولة الوطنية، وظواهر العنف والتكفير والتطرّف التي انتشرت بين عدد من المجموعات الإسلامية المتشدّدة.
أمّا على صعيد باقي التنظيمات والجماعات الإسلامية، وفي مقدَّمها “الجماعة الإسلامية”، فقد شهدت في السنوات الأخيرة حالة من التراجع على الصعيد الشعبي والتنظيمي والدور السياسي، مع أنّ الجماعة عادت إلى البرلمان في الانتخابات النيابية الأخيرة وحقّقت مع حلفائها في بيروت وطرابلس بعض النجاحات فيها ودخلت وجوه إسلامية إلى البرلمان، لكنّ ذلك يعود إلى سبب أساسيّ هو غياب “تيار المستقبل” عن الساحة السياسية وعدم وجود بديل يملأ الساحة. ومن يراقب دور وحضور معظم الجماعات والجمعيّات الإسلامية يلحظ بوضوح تراجع دورها وتأثيرها الشعبي والتنظيمي وانكفاء عدد كبير منها إلى الدور التربوي والثقافي والاجتماعي.
قد تكون النقطة الإيجابية المهمّة التي برزت أخيرًا هي تراجع الخطاب المذهبي وأجواء الفتنة المذهبية التي برزت في السنوات الماضية. وقد بُذلت جهود كبيرة داخليًا وخارجيًا في هذا الإطار، لكنّ ذلك لا يعني انتهاء هذا التحدّي لأنّه عند وقوع أيّ حدث سياسي أو أمنيّ يعود الخطاب التصعيدي مجدّدًا كما حصل قبل سنتين خلال أحداث خلدة التي تجري محاولات حثيثة حاليًا لإقفال ملفّها.
ضدّ القانون المدنيّ للأحوال الشخصية
يلاحَظ انخراط بعض الناشطين الإسلاميين والدعاة ورجال الدين في الأنشطة المدنية والهيئات المتخصّصة بالحوار الإسلامي – المسيحي والتعدّدية، والمعنيّة بتطوير المؤسسات الدينية والخطاب الديني. لكن في المقابل هناك حالة حذر شديد لدى الأوساط الإسلامية من الدعوات إلى وضع قانون مدني جديد للأحوال الشخصية، إضافة إلى الرفض المطلق لكلّ المظاهر والأنشطة التي لها علاقة بتشريع “المثليّة” أو السماح بنشاطات الجمعيات المختصّة بها. وهذا ما يدفع الكثير من الناشطين الإسلاميين والجمعيات الإسلامية إلى النزول إلى الشارع لمواجهة المنتمين إلى هذه الجمعيات.
وسائل التواصل وتأثيرها
هناك تحدّيات أخرى تواجه الإسلاميين في لبنان والعالم العربي: أفق المشروع السياسي وكيفيّة مواجهة التطرّف والعنف، إضافة إلى نشوء اتجاهات جديدة في الواقع العربي والإسلامي وبين الشباب تطالب بالحرّيات متأثّرة بأجواء مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة وموجات التشكّك في الدين عامة، وفي دور الجماعات الإسلامية خاصة.
لقد برزت أخيرًا عدّة محاولات فكرية لتجديد الخطاب الديني والإسلامي والخروج من الأفكار التقليدية التي سادت في العقود الماضية وركّزت على الوصول إلى السلطة وإقامة الخلافة أو الدولة الإسلامية، وأصبح التركيز على نشر القيم الإنسانية ومشروع العدل في المجتمع.
هذه بعض التحدّيات الجديدة التي يواجهها الإسلاميون في لبنان والعالم العربي. وهي تحتاج الى مراجعات نقدية وأداء جديد. هل تشكّل الدعوات التي أطلقها العلّامة السيّد علي فضل الله مع الأمين العامّ الجديد للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقوش مدخلًا إلى ذلك؟