الإدارة السياسية للأزمة اللبنانية تُعجّل الموجة الثانية للإنتفاضة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
مع توسّع دائرة الأزمتين الإقتصادية-المالية والسياسية تتوسع دائرة هَلَع اللبنانيين وانهيار منسوب الثقة بتوازن الأوضاع المعيشية والإنتاجية ضمن أفق منظور.
فعلى الصعيد السياسي يبدو أن الفريق الأقل تنافراً سياسياً، الذي سمّى الدكتور حسّان دياب لتشكيل الحكومة العتيدة، غير قادر على إنتاج صيغة حكومية بين أعضائه أو غير قادرٍ على التوافق مع اختيارات الحدّ الأدنى للرئيس المُكلَّف. إن مشاورات التأليف إختُصِرَت حتى الآن على ثلاثة أطراف رئيسة، فكم من الوقت كانت ستستغرق لو أنها تحصل بين الأحزاب الستة الرئيسة في البلاد؟
الواقع أن استحالة إعادة إنتاج قيادة سياسية للبلاد لا تنفصل عراها عن المستوى الذي وصل إليه الصراع الإقليمي والدولي وانعاكاساته المباشرة على لبنان، كما عن المستوى الذي وصل إليه الوضع الإقتصادي، حيث بات واضحاً أن لا أحد يجرؤ على التقدّم إلى الأمام من دون جواز مرور إقليمي دولي يصعب تأمينه في الأوضاع الجيوسياسية الراهنة.
لقد أدلى حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بدلوه في الوضع المصرفي في ظل أزمة الودائع والتحويلات، وهو ما كان يؤمل ان يعطي جرعة ثقة عزيزة للمودعين واللاعبين الإقتصاديين. على العكس خرج البلد بعد كلام الحاكم باستنتاجات أكثر سلبية دلّت على عمق الازمة وعدم وجود سياسات مُقنعة للتعاطي مع مآلاتها المستقبلية.
في الوقت عينه تتوسّع أزمة تقنين الكهرباء وفقدان سلع رئيسة من الأسواق وارتفاع متزايد لمستوى الأسعار العام.
زد على ذلك أن سعر صرف الدولار الأميركي قد ارتفع بنسبة ٦٠% حتى كتابة هذه السطور، وهناك توقعات علنية متشائمة جداً تُرجّح ان يتجاوز هذا الإرتفاع نسبة ١٠٠% في مدى زمني قصير، وهذا يضغط مباشرة على مستوى الأسعار.
إن عدم توافر فرص عمل جديدة ناهيك عن التسريح الجماعي للعمال والموظفين في القطاع الخاص، واقتطاع أجزاء كبيرة من أجور الذين لم يُسرّحوا، يزيد من تعطل الطلب ويدفع الركود التضخمي إلى أبواب التضخم الجامح.
ماذا يعني ذلك؟
نحن على أبواب الموجة الثانية من الإنتفاضة التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. وهذه الموجة ستُشكّل فرصة مصحوبة بمخاطر عظيمة ما لم تنوجد ارضية صالحة للشروع بالتحوّل نحو مؤسسات سياسية أكثر مسؤولية وأكثر استعداداً لتلقّف هموم اللبنانيين قبل أن تتلقّفها وتتلقف معها البلد رياح السَموم التي تعصف بالشرق الأوسط.
يُشكّل الدرك الذي وصلت إليه الأزمة اللبنانية فرصة إضافية لفهم أولوية الإضطراب الإقتصادي والخوف من الإنحدار الإجتماعي لدى فئات إجتماعية واسعة مُتضرّرة مباشرة من الأزمة وتشعر أن توزيع الدخل والثروة باتا يعملان تماماً ضد مصالحها وضد إعادة إنتاج شروط استقرارها الإجتماعي، والتي تعتبر المُحرّك الأساس للشارع اللبناني اليوم.
هي ايضاً فرصة لفهم ان تعظيم الجانب التآمري والتدخلات الأجنبية والداخلية لحرف مسار الحراك المدني لا يمكن أن يُبنى إلّا على مدى فشل القيادة السياسية في استيعاب مغزى الإضطراب الإجتماعي والتقدم لمعالجة أسبابه العميقة.
لا يُمكن أن تعفي القيادة السياسية نفسها من مسؤولية حماية أرزاق وثروات اللبنانيين والتلطّي خلف نظرية المؤامرة، حيث أن سلوك هذه القيادة على مدى الأشهر الثلاثة السابقة قد أثبت بما لا يترك مجالاً للشك أنه لا حاجة إلى مؤامرات ولا لمتآمرين، وإن مَن يخدم اغراض المتآمرين على لبنان هي أولاً الإدارة السياسية للأزمة.
نشر في مجلة اسواق العرب بتاريخ 12/1/2020
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا