الاقتصاد اللبنانيّ في العام 2024: تحديّات مستمرّة وآفاق مستقبليّة | بقلم د. رنا منصور
بادئ ذي بدء، ومنذ العام 2019، يمرّ الاقتصاد اللبنانيّ بأزمة حادة أثّرت على مختلف القطاعات وزادت معدّلات الفقر والبطالة بشكل ملحوظ. ومع بداية العام 2024، بدأت بعض المؤشّرات تُظهر تحسنًا طفيفًا، ولكن التحديّات لا تزال هائلة. ممّا يستدعي دراسة الوضع الحالي للاقتصاد اللبنانيّ، والتوقّعات المستقبليّة، والإصلاحات الضروريّة لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام.
عموماً، من المتوقع أن يسجّل الاقتصاد اللبنانيّ نمواً بنسبة 0.5٪ في العام 2024، وهو تحسّن طفيف بعد انكماش بنسبة 0.2٪ في العام 2023، و0.6٪ في العام 2022. أمّا التضخم، الذي بلغ 230.4٪ في العام 2023، فمن المتوقّع أن ينخفض إلى 78٪ في العام 2024، ممّا يشير إلى بعض الاستقرار في قيمة الليرة اللبنانيّة وتحسّن القدرة الشرائيّة للمواطنين.
إنّ مقارنة الوضع الحاليّ بالتحديّات الاقتصاديّة على الصعيد الإقليميّ في ظل تباطؤ النمو الاقتصاديّ العالميّ وتأثير الصراعات المستمرّة في منطقة الشرق الأوسط تُشير إلى أنّ المنطقة تواجه تحديّات كبيرة في السيطرة على مستويات الدين العام. وقد يختلف أداء اقتصادات المنطقة عن اقتصادات الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى، حيث من المتوقّع أن تنمو تلك الاقتصادات بنسبة 4.4٪ في العام 2023، وبنسبة 3.9٪ في العام 2024، مقارنة بمعدّلات نمو متوقّعة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 1.9٪ و2.7٪ على التوالي.
أمّا بالنسبة للتحديّات الرئيسة على صعيد البنية التحتيّة والخدمات الأساسيّة، فهنالك تدهور في البنية التحتيّة والخدمات الأساسيّة مثل الكهرباء والمياه والصحة، الأمر الذي ما زال يُشكّل عقبة رئيسة. كما أنّ الفساد السياسيّ مستشري ويعوّق تنفيذ الإصلاحات الاقتصاديّة الضروريّة. وبالنسبة لوضع اللاجئين السوريّين، فالعدد الكبير منهم في لبنان يزيد الضغط على الاقتصاد والخدمات العامة.
وعلى صعيد ارتفاع الدين العام، فقد بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحليّ الإجماليّ في لبنان 201٪ بحلول العام 2023، ما يزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصاديّة.
إنّ السيناريوهات والتوقّعات المستقبليّة المتعلّقة بالموازنة فهي التالية: يواجه لبنان تحديّات عديدة في تنفيذ موازنة العام 2024. من أبرزها عدم وجود رؤية اقتصاديّة شاملة من المفترض أن تترافق مع رؤية اقتصاديّة واضحة تعكس استراتيجيّة الحكومة الاقتصاديّة.
فيما يتعلّق بالعجز الماليّ المتوقع للعام 2024، فيبلغ 17 ألف مليار ليرة لبنانيّة (191 مليون دولار أميركيّ)، لكن هذا الرقم يبدو غير واقعيّ في ظل الإنفاق الإضافيّ المرتبط بالأوضاع الأمنيّة. في حين أنّه كان ينبغي توحيد سعر الصرف لكي تتوافق الموازنة مع الوضع الحالي وتجنّب المعاملة التفضيليّة لبعض المكلّفين.
أمّا على صعيد تحصيل الضرائب، فيجب تحسين إدارة الجباية الضريبيّة وتعزيز الإمتثال الضريبيّ لتجنّب الزيادة العشوائيّة في الضرائب. كما يجب تقليل التهرّب الضريبيّ من خلال التركيز على مكافحة هذا التهرّب الذي يُمثّل نحو 10٪ من الناتج المحليّ الإجماليّ.
السيناريوهات المتوقّعة للعام 2024
بغض النظر عما ذُكِر من توقّعات اقتصاديّة للبنك الدولي والمؤسسات المصرفيّة اللبنانيّة السابق ذكرها، فبرأيّي الشخصيّ تتمحور التوقعات الاقتصاديّة للعام 2024 حول ثلاثة سيناريوهات رئيسة هي التالية:
أولاً: السيناريو الإيجابيّ وهو وجود احتمال بنسبة 25% أن تنتهي الصراعات، ويتم انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، وتتشكّل حكومة مكتملة الصلاحيات، وأن تجري الإصلاحات الاقتصاديّة اللازمة. وفي هذه الحالة، من المتوقّع أن يتجاوز النمو 7٪، وينخفض التضخم، ويستقرّ سعر الصرف، وتُعزّز احتياطيات البنك المركزيّ مع فائض في ميزان المدفوعات.
ثانياً: السيناريو السلبيّ الذي يُحتمل حصوله بنسبة 25%، وهو يتمحور حول توسّع الصراع، وغياب الإصلاحات السياسيّة والاقتصاديّة، وعدم التوصّل إلى اتفاق مع المؤسسات الدوليّة، ممّا سيؤدي إلى انكماش اقتصاديّ بنسبة 20٪، ارتفاع التضخم إلى 400٪، وتراجع احتياطيّات البنك المركزيّ.
ثالثاً: السيناريو الوسطيّ الأكثر ترجيحاً وهو أن يستمر الصراع محصوراً بنطاق محدود دون تحقيق إصلاحات كبيرة. وفي هذه الحالة، من المتوقّع أن يكون النمو حوالى 0٪، والتضخم بنسبة 100٪، ويحصل انخفاض طفيف في الإحتياطيات.
وعليه، أختم بالقول أنّ الاقتصاد اللبنانيّ يواجه تحديّات كبيرة في مسار التعافي، ولكن بالإرادة السياسيّة والإصلاحات الجادة يُمكن تجاوز هذه الأزمة. وكل ذلك يكون من خلال التركيز على الإصلاحات الهيكليّة، وتحسين الإدارة الماليّة، وتعزيز الشفافيّة ومحاربة الفساد الذي هو الأساس لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في المستقبل.