ازمة لبنانالاحدث

“التحديات الإنسانية في النزاعات المسلحة: حماية المدنيين وتعويضهم في ظل حرب سبتمبر 2024 في لبنان”| بقلم زهير عساف

 خلال النزاعات المسلحة، يتأثر المدنيون بشكل كبير نتيجة التدمير والتهجير القسري الذي يرافق الصراعات، كما حدث في حرب سبتمبر 2024 في لبنان، التي خلفت آثاراً مدمرة على المدنيين وممتلكاتهم. في هذه الحرب، تعرض حوالي مليون ونصف مدني للنزوح القسري، ودُمرت منازلهم وممتلكاتهم بشكل واسع، مما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة.
1. أسباب رفض المدنيين لأوامر الإخلاء: الفقراء، على وجه الخصوص، قد يواجهون صعوبات كبيرة عندما يُطلب منهم الإخلاء، إذ تعتمد حياتهم بشكل كبير على منازلهم وأحيائهم، وغالباً ما تكون ممتلكاتهم البسيطة هي كل ما لديهم. عند صدور أوامر بالإخلاء، يخشى كثير من هؤلاء المدنيين أن يصبحوا مشردين بلا مأوى، وأن يفقدوا ممتلكاتهم القليلة. بالنسبة لهؤلاء، البيت ليس مجرد مكان للسكن؛ بل هو مصدر للهوية والاستقرار، وبفقدانه يشعرون بالذل وانكسار الكرامة.
2. الخوف من المستقبل المجهول: عادةً، تترك أوامر الإخلاء المدنيين في حالة من الشك والخوف من المجهول، خاصةً إذا كانوا فقراء. قد لا تكون هناك ضمانات بتوفير مأوى بديل، أو دعم مالي يعينهم على إعادة بناء حياتهم. ينظر كثير من هؤلاء إلى الإخلاء كخسارة نهائية لكل ما يمتلكونه، وكمسألة حياة أو موت. إضافة إلى ذلك، يتخوف المدنيون من الظروف الصعبة في مراكز الإيواء، حيث تندر الخدمات الأساسية، ويعيشون في ظل ظروف صحية واجتماعية قاسية.
3. القانون الدولي ومسؤولية حماية المدنيين: القانون الدولي الإنساني، من خلال اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، يلزم الأطراف المتنازعة بحماية المدنيين من آثار الحرب ويحظر التهجير القسري، إلا في حالات الضرورة القصوى وضمن شروط محددة. المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على عدم نقل المدنيين قسرياً إلا إذا كانت هناك “ضرورة عسكرية قاهرة”، ويجب على الأطراف المتنازعة اتخاذ كافة الاحتياطات لضمان سلامة المدنيين وتوفير ملجأ ملائم لهم في حال اضطرارهم إلى النزوح. إضافةً إلى ذلك، تلزم المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول الأطراف بتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
كما تنص المادة 17 من البروتوكول الثاني الإضافي على منع تهجير السكان المدنيين بشكل تعسفي، مع ضرورة توفير ظروف آمنة تضمن لهم الحياة الكريمة، بما في ذلك تقديم الرعاية الصحية والغذائية اللازمة. وتؤكد المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة احترام وحماية كرامة الأشخاص المحميين، وضمان معاملتهم معاملة إنسانية. تهدف هذه الأحكام إلى منع إذلال المدنيين أو تعريضهم لمعاناة نفسية أو جسدية عند تنفيذ عمليات الإخلاء.
4. الالتزام بتوفير الحماية والمساعدات الإنسانية: في ظل النزوح الواسع الذي شهدته حرب سبتمبر 2024، أصبح من الضروري توفير الدعم الإنساني بشكل عاجل. تنص المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة تسهيل نقل المواد الطبية والغذائية للمدنيين في المناطق المتضررة، مع الالتزام بوصول هذه المساعدات الإنسانية وعدم إعاقة دخولها إلا إذا كان هناك مبرر عسكري قوي. في ظل النزاعات، يُعد الالتزام بإيصال المساعدات أمراً أساسياً لضمان بقاء النازحين قسراً في ظل ظروف ملائمة.
5. واجب الدولة اللبنانية تجاه مواطنيها المتضررين: في ظل الأوضاع الراهنة، من واجب الحكومة اللبنانية اتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم، من خلال:
توفير المأوى والمساعدات الأساسية: يجب على الدولة توفير مراكز إيواء مؤقتة آمنة ومجهزة بوسائل المعيشة الأساسية، مثل الطعام والماء والرعاية الصحية. كما يُعد من الضروري ضمان وصول هذه الخدمات بشكل منتظم ومستدام.
إعادة إعمار المنازل المتضررة: على الحكومة اللبنانية وضع خطة شاملة لإعادة إعمار المناطق المتضررة، مع التركيز على المناطق الأكثر تضرراً بسبب النزاع، من أجل تمكين النازحين قسراً من العودة إلى منازلهم واستعادة حياتهم.
دعم المجتمعات المتأثرة وتعويض المتضررين: يجب على الحكومة إنشاء برامج دعم مالي واجتماعي لمساعدة الأسر التي فقدت مصادر دخلها، وتقديم تعويضات مالية للمتضررين لمساعدتهم على تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن النزوح.
التنسيق مع المنظمات الإنسانية: على الحكومة اللبنانية التنسيق مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية لتوفير دعم إضافي وتأمين وصول المساعدات إلى جميع المناطق المتضررة.
6. واجب المجتمع الدولي في دعم لبنان: نتيجة لحجم الدمار وتزايد أعداد النازحين قسراً، بات من الضروري تدخل المجتمع الدولي لدعم الدولة اللبنانية، من خلال:
تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة: يتعين على المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر، تقديم مساعدات عاجلة تشمل الغذاء والمياه والرعاية الصحية. كما يجب ضمان وصول هذه المساعدات إلى المناطق المتضررة دون عوائق.
دعم إعادة الإعمار وتوفير التمويل اللازم: ينبغي على الدول المانحة تقديم الدعم المالي لإعادة بناء البنية التحتية التي تضررت في النزاع، وتأمين موارد مالية كافية لدعم الحكومة اللبنانية في جهودها لإعادة الإعمار.
توفير الحماية الدولية للمدنيين: يمكن للمجتمع الدولي العمل على تفعيل القوانين الدولية لحماية المدنيين ومنع الانتهاكات التي يتعرضون لها، مع الضغط على الأطراف المتنازعة لاحترام حقوق المدنيين وتجنب استهدافهم أو تهجيرهم.
المساهمة في تحقيق العدالة والتعويض: يُعد تحقيق العدالة للمتضررين من أهم واجبات المجتمع الدولي، حيث يمكن للمحاكم والمنظمات الدولية مساعدة المتضررين في الحصول على تعويضات ودعم نفسي واجتماعي، لضمان محاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات.
7. طرق محاكمة المسؤولين عن التهجير القسري ودفع التعويضات: تتطلب العدالة لضحايا النزاع محاكمة الأطراف المسؤولة عن التهجير القسري والدمار الذي لحق بالمدنيين. وفقًا للقانون الدولي الإنساني، يمكن محاكمة مرتكبي الانتهاكات في المحاكم الجنائية الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، التي تُعنى بمحاكمة الجرائم الجسيمة، كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. من خلال المحكمة، يمكن مقاضاة المسؤولين عن تهجير المدنيين وإجبارهم على دفع تعويضات للمتضررين.
كما تنص اتفاقية جنيف على أنه يجب على الدول الأطراف، التي تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات، تقديم تعويضات مناسبة للضحايا، ويشمل ذلك تعويضات مادية وإعادة تأهيل المناطق المتضررة. يُمكن للمنظمات الدولية الضغط على الدول المسؤولة لدفع تعويضات عبر عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية في حال رفضها التعاون.
8. تعزيز التعاون الدولي لمنع النزوح وتكرار الأزمات: لتجنب تكرار مثل هذه الأزمات، يمكن للمجتمع الدولي بالتعاون مع الحكومة اللبنانية إطلاق برامج لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد. من شأن تعزيز الاستقرار أن يحسن من قدرة الدولة على حماية مواطنيها في المستقبل.
الخاتمة: في ظل الأزمة الإنسانية الناجمة عن حرب سبتمبر 2024، تُلقى على عاتق الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي مسؤولية إنسانية كبيرة. من الضروري أن تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤوليتها في حماية المدنيين وإعادة إعمار منازلهم وتوفير الدعم اللازم لهم، بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. كما ينبغي اتخاذ إجراءات محاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات، وإجبارها على دفع تعويضات عادلة للضحايا. يتطلب الوضع استجابة سريعة وفعالة لضمان حقوق المتضررين، وإعادة الحياة الكريمة لهم، والعمل على منع تكرار هذه الأزمات .

زهير عساف، باحث في التنمية المستدامة الإستراتيجية

زهير عساف باحث في التنمية المستدامة الاستراتيجية جامعة بليكينغي للتكنولوجيا -السويد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى