التعامل مع العدو وسرقة ودائع اللبنانيين جريمتان بحق الوطن ووجهان لعملة واحدة ؟! | بقلم د. طلال حمود
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
منذ ايام ضجت بعض الوسائل الإعلامية بأخبار عن بعض ما يدور في كواليس وخفايا الإنتخابات النيابية المنوي تنظيمها في ١٥ ايار 2022 والتي كان من المتوقع ان تشهد أكبر فضيحتين اذا لم تتعدّل المسارات والتي تعدّل اليوم مسار واحدة منها كما علمنا بعد إعلان الوزير باسيل عن لائحة مرشحيه في مختلف الدوائر الإنتخابية في لبنان.
الفضيحة الأولى كانت تتمثل في المعلومات التي تردّدت منذ ايام عبر اكثر من وسيلة اعلامية والتي كانت تشير الى التبنّي المبدئي لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لترشيح العميد فايز كرم عن دائرة زغرتا في الشمال. والعميد كرم كان قد اُدين بتهمة التعامل مع العدو الصهيوني، واعترف بذلك، وهذا أمر مدوّن من خلال أحكام قضائية في لبنان، حيث انه بقي يتواصل مع هذا العدو تقريبًا لغاية 2009. وقد كتبنا يومها ان هذا الأمر مُعيبٌ جدًا ويمثّل تحديًا وقحًا لشريحة واسعة ووازنة من اللبنانيين لا تقبل ولن تقبل بوصول “عميل مُدان بهذه التهمة بكل تأكيد وبالكثير من الأدلة الصريحة والمعروفة”، الى المجلس النيابي مهما كانت الظروف، ونعيد التأكيد أن هكذا ترشيح يُعتبر تصرّفًا فاضحًا ومُقزّزًا ومستفزًا لمشاعر شريحة واسعة من اللبنانيين.
لقد تمنينا منذ ايام على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إدراك خطورة الأمر وأن يفتش عن مرشح آخر ذي حيثية وازنة وسمعة طيبة وغير ملطخة بهكذا ادانة خطيرة، خاصة ان قضاء زغرتا فيه الكثير من الطاقات والفاعليات الحزبية البرتقالية وغير الحزبية. وقد اعلن الوزير باسيل اليوم لائحة اسماء مرشحيه للإنتخابات والتي فيها تراجع عن ترشيح كرم ( حيث ورد اسم الوزير السابق بيار رفول في هذه الدائرة) بعد ان أدرك (كما نعتقد!؟) وجود معارضة لهذا الخيار من قِبل الأحزاب الحليفة التي هددت بعدم التحالف مع باسيل في اية دائرة في لبنان في حال إصراره على تبنّي ترشيح كرم ضمن لائحته. ومع اننا لا يمكن ان نُؤكد ما اذا كان باسيل كان ينوي فعليًا تبنّي ترشيح كرم، لا بدّ لنا ان نبارك هذه الخطوة التي قام بها باسيل لأن الإعتراف بالخطأ فضيلة فكيف اذا كان الخطأ بهذا الحجم من الخطورة وفيه إهانة للكثير من اللبنانيين وإستخفاف رهيب بمشاعرهم وبالتضحيات الكبيرة التي قدّموها في سبيل دحر هذا العدو وتحرير كامل أرضهم.
الفضيحة الثانية التي ضجّت بها ايضًا وسائل بعض الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الإجتماعي كانت خبر تبنّي كل من رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ترشيح المصرفي مروان خير الدين عن أحد مقاعد الجنوب وبالتالي بات مستعدًا لركوب بوسطة الثنائي الشيعي الذي يتصدّر بلا منازع صورة المشهد الإنتخابي في الجنوب. وهنا نستغرب كثيرًا هذا الموقف الذي نعتبر ان فيه ايضًا إستخفافًا بعقول الجنوبيين خصوصًا واللبنانيين عمومًا.
فكيف نقف ضد ترشيح عميل سابق في الشمال ونقبل بترشيح مصرفي ساهم في إفقار وإذلال وتركيع عشرات آلاف اللبنانيين لأنه دافع بشكلٍ شرس عن حزب المصرف الذي يُعتبر من اكد اهم اركانه الأساسيين؟ ونتساءل هنا كيف تُجيز قيادات هذا الثنائي لنفسها ان تتعاطى بهذه الإزدواجية غير المبررة والمُتّسمة بالتشدد شمالًا وبالتراخي مع مرشح لا يقلّ خطرًا عن خطر العميل جنوبًا؟ فهل انّ سرقة ودائع اللبنانيين والمساهمة في تفقيرهم واذلالهم تقلّ خطورة عن جريمة التعامل مع العدو الصهيوني؟
ولذلك لا بد لنا هنا من ان نعاود إطلاق الصرخة التي اطلقناها منذ ايام عسى أن يضغط الثنائي الشيعي على جنبلاط وارسلان للتراجع عن هذا الخيار وللإتيان بأي مرشح آخر مقبول غير السيد مروان خير الدين لأنه من المعيب جدًا أيضًا ان نمشي بهذا الخيار بعد ان تمّ سرقة اكثر من خمسة ملايين مواطن على ايدي اشخاص من نوعية خير الدين وهو احد أكبر حيتان المال واحد الأعمدة الأساسية في حزب المصرف واحد المساهمين الأساسيين في كل ما وصلنا اليه نتيجة سياسات هذا الحزب الذي له امتداداته الطائفية والمذهبية والمناطقية وحتى الدولية والذي استفاد كثيرًا من سياسات الحاكم بأمره اي الرجل الأول في لبنان الأستاذ رياض سلامة لكي يجمع الثروات ويحقق الأرباح الطائلة من جنى عمر وتعب وشقاء مختلف اطياف الشعب اللبناني من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال.. وبطرق ووسائل اقل ما يقال عنها انها غير إنسانية ومتوحشة.
قد يكون مروان خير الدين نظيف الكف ولكن القصة قصة مبدأ ايضًا وهي ايضًا قصة عدم إستخفاف بعقول الناس، فهل نسينا الإجراءات التعسفية التى اتبعها اصحاب المصارف بحقّ جميع اللبنانيين وهل نسينا سرقة ودائعنا وأموالنا وما يقدّر بأكثر من ٨٠ مليار دولار كان للمصارف واصحابها واعضاء مجالس إدارتها الدور الأكبر في نهب قسم كبير منها! وهل نسي اللبنانيون طوابير الذل على محطات المحروقات ووقوفهم لساعات لتأمين صفيحة البنزين والمازوت او رغيف الخبز او علبة حليب الأطفال والدواء وغيرها من السلع الأساسية!
إن سرقة أموال وودائع اللبنانيين لا تقل أهمية عن خيانة الوطن والتعاون مع العدو، فهل يريد الثنائي من وراء قبول هكذا ترشيح أن يكافئ “حزب المصرف” في لبنان من خلال إيصال أحد اركان هذا الحزب الى الندوة النيابية؟ ونحن جميعًا نعرف ان احد اهم اعمدة الإنهيار في لبنان كان يتمثّل في الهدر ونهب المال العام الذي قام به اركان السلطة الفاسدة وفي سياسات حاكم مصرف لبنان وفي جشع وطمع ونهب اموال المودعين على ايدي عصابات جمعية المصارف.
إن الموقف الرافض هنا هو موقف اساسي ومبدئي فكيف نكون الى جانب الفقراء والمستضعفين والمحرومين ونريد حماية حقوق المودعين المقدسة ونكون في ذات الوقت الرافعة او البوسطة التي ستوصل احد اركان منظومة حزب المصرف الى المجلس؟ واي تناقض هذا الذي نراه بين شعاراتنا وما نقوم به على ارض الواقع؟
هل ان المعايير الوطنية التي تنطبق على دائرة زغرتا في الشمال لا تنطبق على دائرة حاصبيا في الجنوب؟ وكيف يمكن لنا ان نقبل بذلك وقد دفعنا الغالي والنفيس من دماء خيره شبابنا، وأولادنا في سبيل تحرير الأرض وحمايتها بعد التحرير؟ لذلك ندعو الثنائي وبأسرع وقت ممكن إلى سحب ترشيح خير الدين وإستبداله بأي مرشح آخر لا يشكل ترشيحه إستفزازًا لمشاعر اللبنانيين الذين ذاقوا الأمرّين على ايادي رجالات ومكونات واطياف حزب المصرف ومن حماهم ودافع عنهم في لبنان.