ازمة لبنانالاحدث

الحريري يوقف التجول بين المتاريس | بقلم البروفسور بيار الخوري

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

صدورُ القرار ١٥٥٩ في خريف العام ٢٠٠٤، وضع الرئيس المغدور رفيق الحريري على حافةِ قرارٍ خطيرٍ فَشِل في اتخاذه: إمّا القرار الدولي وإما سوريا! كان الحريري آنئذٍ يقف على تسويةٍ ساهم هو في تأليفها هي تسوية اتفاق الطائف الذي رعته المملكة السعودية والجمهورية السورية ضمن اتفاقٍ دولي لإنهاء حرب لبنان.

فهل وقف سعد الحريري على تقاطعٍ شبيهٍ بالذي وقفه والده واختار مصيرًا آخر غير مصير الراحل؟ هل فهم الحريري الإبن أنه لا يجوز التجوّل بين المتاريس في الحروب الطاحنة؟

الواقع أن سقوط الحريري الأب ناتجٌ عن سقوط التوافق حول قواعد رعاية الطائف، لكن حكاية الرئيس الإبن مُختلفة. لم تأتلِف شراكة الستة الكبار، وضمنًا الحريري، سوى بعد العام ٢٠٠٨ والذهاب إلى الدوحة. قبل ذلك كان الرئيس فؤاد السنيورة هو القائد الفعلي لـ”تيار المستقبل” في العلاقة التي اتسمت بالتوتر الشديد مع “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” والذي وصل إلى حدِّ انسحابِ الثنائي الشيعي من حكومته والاعتصام حتى تاريخ السابع من أيار/مايو المعروف، وبعده اتفاق الدوحة الذي ثبّتَ زعامة سعد الحريري وأقصى تيار الصقور في “المستقبل” وفي حركة الرابع عشر من آذار/مارس وعلى رأسهم فؤاد السنيورة.

إتفاقُ الدوحة بذاته ثبّت أيضًا امرين أساسيين:

1- بُطلان مفعول الطائف الذي أداره الحريري الأب، وحلول نسخة هجينة اسمها اتفاق الدوحة مكانه.

2- إختصار القوى السياسية إلى ست شخصيات (مع ثلاث احتياطية) بعد أن اختُصِرَت سابقًا الطوائف بتلك الأحزاب.

لقد ثبّت إتفاق الدوحة إدارةً جديدة جماعية للسلطة فَقَدَ معها الدور الطاغي للحريري والدور للنظام السوري، فبات الثنائي الشيعي هو الذي يُديرُ اللعبة السياسية والتسويات صغيرها وكبيرها، بصفته ممثلًا للطائفة الأكثر تماسكًا في ظل الصراع المُحتَدِم على السلطة عند المسيحيين أوّلًا ثم عند أهل السنة. مَن يَحرد من الأستاذ يتلقّفه صاحب السماحة والعكس بالعكس.

اليوم مع انسحاب الحريري تسقط صيغة الطائف – الدوحة في ظل اشتباك إقليمي ودولي يرزح تحته لبنان، وفي ظلّ اختناقِ منافذ المال التي عاش عليها الطائف الاول والطائف الثاني.

هذا النظام لم يعد قادرًا على تجديد نفسه. البلد أكلته إدارة الطوائف بالفساد والمحاصصة بين الجميع، فيما أُطلِقَ عليه اصطلاحًا “البزنس السياسي”.

ومع انسحاب الحريري يغيب الوسيط الذي اقتنع وحيدًا بجدوى الوساطة بين دول الخليج والرأسمال المالي من جهة وسلاح “حزب الله” ومحوري المقاومة والممانعة من جهة أخرى.

ستة زعماءٍ لأربع طوائف اختصروا البلد بعد العام 2008، فهل “يُقلّع” البلد على ثلاث طوائف؟ وأيّ ثلاث؟ كلها ينخرها التناحر وغالبيتها إما قد غادرت منذ عامين، وإما أنها تقف على حافةِ مُغادرةِ السفينة التي أظهر قرار الحريري أنّها مثقوبة بالعرض.

تُذكّرُني الدعوات لعودة الرئيس الحريري عن قراره بالوزير الغيور على العلاقة المُمَيَّزة بين لبنان وسوريا الذي وقف خطيبًا في الجنوب يُحذّر إسرائيل من مخاطر انسحابها من لبنان في العام 2000 قائلًا أن ذلك سيدفع بصواريخ المقاومة إلى عمق تل ابيب. كان يقول ذلك وهو يعلم أن انسحاب اسرائيل سيضع الوجود السوري في لبنان في أعلى جدول الأعمال. تطلّب الأمرُ أربع سنوات مرّت باحتلال افغانستان والعراق وصدور القرار 1559.

الآتي غامضٌ جدًا لكنه معروف النتيجة: لبنان الحالي إلى التحلّل، لقد استوعبت سوريا في ظلّ أجواء دولية واقليمية مواتية سقوط الموارنة في العام 1990، لكن نحن اليوم في زمنٍ آخر، لا احد قادرًا على استيعاب خروج الحريري.

ينشر بالتزامن مع مجلة أسواق العرب

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى