الحزب والترسيم: هل اقتربت الاستراتيجية الدفاعية؟ | بقلم قاسم قصير
يروي مسؤولون في حزب الله أنّه في أيار من العام 2000 غداة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، كان قائد المقاومة الإسلامية الحاج عماد مغنية يقوم بجولة تفقّدية في المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلّة برفقة عدد من قادة المقاومة من أجل التخطيط والاستعداد لإقامة عدد من المحميّات والتحصينات والمواقع الصاروخية تحت الأرض تمهيداً للمواجهة المقبلة مع العدوّ الصهيوني.
في حين كان اللبنانيون يحتفلون آنذاك بالانتصار التاريخي على العدوّ الصهيوني، وبينما كان البعض يتّهم حزب الله بأنّه تحوّل إلى “حارس للحدود مع العدوّ”، كان مجاهدو المقاومة الإسلامية يستعدّون لحرب جديدة مع العدوّ قد تقع في أيّة لحظة. وهذا ما حصل في تموز 2006 حين فاجأت المقاومة العدوّ الصهيوني باستعداداتها وقدراتها المميّزة التي ساهمت في تحقيق “انتصار تمّوز”.
اليوم بعد الاتفاق الأوّلي بين لبنان والكيان الصهيوني في ملفّ الترسيم البحري بوساطة أميركية، بدأت الأصوات ترتفع مدّعية أنّ هذا الاتفاق هو تطبيع مع العدوّ الصهيوني أو اتفاقية 17 أيار جديدة، وأنّ حزب الله والعونيين اتّفقوا مع العدوّ، وأنّ حزب الله تنازل عن ثروات لبنان، وأنّ المقاومة انتهى دورها، وأنّنا ذاهبون إلى مرحلة هدوء شاملة على الحدود مع الكيان الصهيوني وتطبيع اقتصادي وماليّ ونفطي، وغير ذلك من المقولات التي تحاول التقليل ممّا تحقّق من إنجاز وتصويره بأنّه انتصار للعدوّ الصهيوني.
مَن استمع إلى الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء يوم الثلاثاء الفائت، خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وأسبوع الوحدة الإسلامية، يلحظ الحذر الشديد الذي يتعاطى به الحزب مع هذا الاتفاق ودلالاته ونتائجه. فعلى الرغم من الاحتفال الكبير بهذا “الانتصار” الذي تحقّق في المفاوضات مع العدوّ الصهيوني بشأن الترسيم البحري، فإنّ السيّد نصر الله أكّد الاستمرار بالجهوزيّة القتالية وضرورة انتظار النتائج النهائية والتعاطي بحذر شديد مع التعليقات والمواقف من الاتفاق وعدم الانجرار إلى حملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي.
الحزب مرتاح… ويستعدّ
تشير مصادر مطّلعة على أجواء الحزب الداخلية إلى أنّ الحزب يدرك أهميّة ما حصل ودور المقاومة في فرض الاتفاق، ويتابع بدقّة ما يجري من نقاشات داخل الكيان الصهيوني أمنيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً وإعلاميّاً، وأنّه مرتاح إلى الدور الكبير الذي قامت به المقاومة الإسلامية ومجاهدوها من خلال الاستعدادات اللوجستية والعملانية لتوجيه التهديدات للعدوّ والإعداد لأيّ مواجهة كان يمكن أن تحصل في الأسابيع الماضية.
تضيف المصادر أنّ كلّ ذلك شكّل انتصاراً مهمّاً في معركة الوعي والإرادة في مواجهة العدوّ الصهيوني، لكن في الوقت نفسه يراقب الحزب التداعيات السياسية والماليّة والاقتصادية للاتفاق ويدرس بهدوء ما سيحصل في المرحلة المقبلة كي يبني على الشيء مقتضاه. مع التأكيد أنّ المعركة لم تنتهِ، وأنّ هناك مساراً طويلاً في هذا الصراع حول الغاز والنفط، خصوصاً في ظلّ التطوّرات المتسارعة داخل المناطق الفلسطينية المحتلّة والتي تحدّث عنها السيد نصر الله في خطابه الأخير.
في خلاصة التقديرات المرتبطة بالاتفاق ونتائجه يدرك المسؤولون في حزب الله أنّ ما جرى محطّة مهمّة وتاريخية في الصراع مع العدوّ الصهيوني، وستكون له نتائج مهمّة لبنانية وعربية وإقليمية ودولية، وأنّ المطلوب استثمار ذلك لتحصين الموقف اللبناني الداخلي والتخفيف من الضغوطات الخارجية واستكمال متابعة المعارك الأخرى. خصوصاً أنّ الوضع اللبناني الداخلي هشّ ويواجه تحدّيات كبيرة، سواء على صعيد الوضع الحكومي أو المعركة الرئاسية أو الأوضاع الاقتصادية والماليّة والمعيشية والاجتماعية. وهذا يستدعي الكثير من الحذر والهدوء في التعاطي مع هذا الاتفاق ودراسة انعكاساته المستقبلية، ويتطلّب عدم التسرّع في الحكم على نتائج الاتفاق وضرورة دراسة نتائج ما جرى من مفاوضات، خصوصاً التنسيق والتناغم بين أداء المقاومة الميداني ودور المفاوض اللبناني. فنحن أمام تطبيق عملاني للاستراتيجية الدفاعية الجديدة وعلينا الاستفادة منه في تحديد المواقف المستقبلية.