الخط الثاني للدفاع عن الأمة العربية ينزف! احذروا سقوط لبنان | بقلم د. محمود حمصي
دخل لبنان حربه الثالثة مع العدو الإسرائيلي من دون إنذار أو تنبيه بل بقذائف تسقط على رؤوس المدنيين في القرى اللبنانية من دون سابق إنذار وتحذير، بذريعة ان هذه القرى تحتوى على مخازن سلاح للمقاومة اللبنانية، تعلن اسرائيل الحرب على لبنان والهدف المعلن إعادة سكان الشمال والهدف المبطن إنهاء المعادلة السابقة وتغيير قواعد اللعبة واللعب على المكشوف لبناء شرق أوسط جديد ذات طابع غربي نقي بعيداً عن المحور الشرقي الذي كان وما زال التوجه إليه سعيا مباركاً من العديد من اللبنانيين، فتسقط القذائف على رؤوس اللبنانيين للرضوخ للتطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي يشكل لبنان نقطة تحول مفصلية للاعتراف بهذا العدو الغاصب، ومع اشتداد المعارك التي قد تتحول الى معارك إيرانية وإسرائيلية بشكل مباشر او غير مباشر وقد تتطور الى معارك أميركية وروسية في اي لحظة على اراضي لبنان فسقوط لبنان يعني سقوط محور بأكمله يبدأ بغزة وينتهي بطهران ومعه تتقلص مصالح ونفوذ روسيا في المنطقة.
الحرب بدأت وهي مريرة وقاسية
بدأت الحرب وبدأ اللبنانيون ينزفون ويقتلون وبدأت مدنهم تدمر وقراهم تحرق وبدؤا يغادرون اراضيهم حاملين حقائبهم فوق رؤوسهم في نكبة جديدة بعد حرب غزة تاركين اغصان الزيتون وهي تشتعل قبل قطافها، رحلوا عنها مبعدين وتركوا اشجارها تبكي وتذرف دموع اللهب التي تسقط بفعل ضربات العدو، قصفت المستشفيات ومراكز الايواء وكل يوم اخلاء جديد وكل ساعة سلاح فريد وكل دقيقة يسقط شهيد. توقف التعليم وفتحت المدارس والجامعات مراكزا لايواء النازحين وضاع جيل كامل لا يدري كيف سيكون مستقبله وذهب جيل اخر في البحث عن مقرات الامم المعنية باللاجئين واخذ جيل اخر يبكي على هذا الحال التي وصلت اليه الامور. الحرب اشتعلت، وهي قاسية وشديدة، فترى فيها صقيع الخوف ووحشة الترقب، وتسمع ذعر الاطفال وتشاهد ضيق الامكنة حتى للشهداء فالمستشفيات امتلئت ولا مكان للجرحى الاحياء.
تطبيق صفقة القرن عسكريا
مع إعلان الحرب على لبنان وفظاعة بدئها، بدا جلياً للقاصي والداني نية العدو الإسرائيلي في غزو لبنان مسبقاً وقبل حرب غزة من خلال التحضير لها وابتكار تفجير الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصال المحمولة إضافة الى الرقابة الامنية التي فاجئت المقاومة اللبنانية باغتيال قاداتها. ولكن الحرب خدعة وقد تم دعمها غربيا في شتى الوسائل وبمجرد اعلان الحرب حدد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اهداف الحرب الواقعية والتي يعرفها ويتكلم عنها قادة المقاومة في كل مناسبة وهي اعلان ما يسمى بصفقة القرن والشروع برسم خارطه جديده للشرق الأوسط وبناء نظام جديد واعلان اسم المعركة الحقيقية بنظام جديد بعدما موهت عنوان سهام الشمال على اهداف الحرب الأساسية. لا يخفي نتنياهو ومعه الداعم والحليف الأميركي الى الحاجة الملحة لتغيير الشرق الأوسط فالنظام القديم حاصر اسرائيل ناريا في كل إتجاه وقد أصبحت دولة إسرائيل تقاتل من اجل وجودها بعد شعورها انها في طريق الزوال ومعها هذه الصفقة الخبيثة.
نظام شرق أوسطي جديد بقيادة نتنياهو
لطالما كان هدف اسرائيل التوسع والاستيطان والسعي لاجبار الدول على الاعتراف بها كدولة يهودية بالرغم من معرفتها الاكيدة انها كيان مؤقت يهدف الى إقامة مستعمرة غربية وقاعدة دفاعية عسكرية عن الدول الغربية. وقد شاء القدر ان يكون لبنان ضحية الصراعات الخارجية وحرب الآخرين على ارضه بدءا من اتفاق القاهره عام ١٩٦٩ الذي شرع العمل الفدائي الفلسطيني من لبنان وصولا الى ربط الساحات لمنع اسرائيل من تحقيق أهدافها، ولكن كل ما سبق وما بينهما من تضحيات لم يمنع اسرائيل ومن معها من السعي للتوسع والسيطرة على ثروات الشعوب وبث الفتن ومنع إيجاد السبل لحل النزاعات للوصول إلى السلام الشامل بل العمل لإدارة الازمات وفقا لمصالح العدو والدول الغربية واحتلال الأراضي الفلسطينية والتوسع وقضم الاراضي لتحقيق الهدف الأساسي لإسرائيل وهو اعلان قيام دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من نهر النيل في مصر الى نهر الفرات في العراق.
ايران ستدخل الحرب عاجلا ام آجلا
لا يخفى على احد ان ايران هي ركيزة محور المقاومة في الشرق الأوسط فهي دعمت حركات المقاومة منذ نشأتها ودعمها لهم ناتج عن عقيدة قومية قائمة على الممانعة ومقاومة الظلم ورفض الانصياع للاقوى أضافة الى عقيدة دينية منبثقة بمقاتلة اعداء الإسلام والمحتلين في كل مكان وقضية مسجد الاقصى التي شكلت على مدار قرون من الزمن صلة مباشرة بالاسلام والتي تعتبر اولى القبلتين ومن واجب كل مسلم الجهاد لتحريرها ورفض تدنيسها. كانت ايران قد دعمت وتدعم حركات المقاومة التي قاتلت وتقاتل اسرائيل من دون هدف مصادرة قرارها او المفاوضة عنها بل كانت تحافظ على سيادة قرار كل حركة. وبعد تقلبات المفاوضات النووية الإيرانية مروراً بإلغاء اتفاقية ايران النوويه وصولاً إلى فشل المفاوضات الإيرانية مع الدول دائمة العضوية وألمانيا وزيادة الضغط على طهران للتخلي عن سلاحها النووي، كانت طبخة انهاء نظام طهران تطهى على نار هادئة ومع امتداد رقعة نفوذ ايران سعت الدول الغربية وإسرائيل الى تقليص هذا التمدد والعمل على تقليم اظافر ايران في المنطقة بحسب قولهم، لكن النار اشتعلت في شتى أرجاء الشرق الأوسط والنار الهادئة للجم تمدد ايران اصبحت براكين مع اشتعال جبهة غزة ولبنان وضرب قيادات إيرانية في لبنان وسوريا بشكل مباشر الامر الذي ألزم ايران على إعادة صيغتها القتالية بعد نفاذ الصبر الاستراتيجي والعمل على المحافظة على قوة ايران في المنطقة، وبعد اشتعال الحرب في لبنان بشكل مفاجئ وتقدم العدو الإسرائيلي ببعض النقاط المهمة اخرها اغتيال اسماعيل هنية والسيد حسن نصرالله وعباس نيلفروشان، دخلت ايران معركة اسناد مباشرة لمساعدة غزة ولبنان من دون اعلانها بذلك بعد شعورها باقتراب السنة اللهب من طهران وتهديد اسرائيل للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد على الخامنئي بشكل مباشر وقد تعلن ايران الحرب على اسرائيل بشكل مباشر في حال ردت اسرائيل على ايران لتكون بذلك حرب اقليمية شاملة لا تحمد عقباها ومن دون ضوابط.
روسيا تشعر بالقلق
بعد اغتيال سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وما تلاه من احداث وردود فعل عراقيه ويمنية وايرانية، عقد الرئيس فلاديمير بوتين اجتماعا طارئا مع قادة الفرق ووزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة والامن القومي الروسي وقد تنبه الى مصير المنطقة والسعي الغربي لضم بلاد الشام الى المحور الاخر وانهاء حركات المقاومة وتغيير قواعد اللعبة وموازيين القوى على الارض ورسم خارطة جديدة للمنطقة، الامر الذي جعل روسيا تشعر بقلق بالغ والذي يلزمها بالتحرك للقيام بشيئ لمنع سقوط دول المحور التي دعمته سابقآ في معاركه مع الارهاب في سوريا وقد تبين من مواقف المسؤولين الروس انهم في ضوء الاحداث الجارية وقد تعبر روسيا عن موقفها الرافض للتقدم الغربي بإجراءات على ارض الواقع وقد تعمل روسيا على مساندة ايران في حربها لانها تعتبر ان اي تغيير في رسم الحدود الجغرافية لابد من الاخذ بعين الاعتبار موقف روسيا منه ومصالح روسيا في المنطقة التي يعد تجاوزها خطأ وخط احمر بالنسبة لروسيا.
حرب معقدة
كنت قد كتبت مقالا منذ ثلاثة اعوام بعنوان لبنان يا قطعة سما، تتقاسمه القوى الدولية، وقد اشرت في هذا المقال الى فرضية تقسيم المنطقة في الشرق الأوسط على اساس مذهبي مع تقسيم كل منطقة وحصتها من الموارد النفطية والمائية على داعميها الدوليين وقد ناقشت ايضا التحولات التي قد تطرأ على المنطقة وقد اشرت الى فرضية تجول الشرطة الروسية في شوارع بيروت واليوم اعيد ما كنت قد كتبت، ولو انني لا اتمنى سوى الخير والسيادة لهذا البلد ولكن يبدو اننا دخلنا في نفق الحرب المظلم والانقسام العامودي الحاصل بين لبنان والعدو الإسرائيلي والذي يشير الى اننا في صلب المواجهة الشاملة والعميقة واننا في معركة تكسير عظام ومعركة النفس الطويل والخاسر هو من يخسر اكثر ومن يصرخ اولا وقد تشهد هذه الحرب العديد من الهدن المؤقتة و المفاوضات الغير مباشرة من دون جدوى ليكون الحل الشامل والواسع ورسم الحدود الجغرافية الجديدة بعد دماء كثيرة ومعالم تغير ودمار كبير. والى ان يأتي هذا اليوم الذي لا اتمناه، اتمنى لبلدي ان ينعم بالهدوء وان يثبت اقدام مقاومته في ارضه لانهم الامل الوحيد في المحافظة على لبنان ووجوده، فالغرباء ينتظرون بفارغ الصبر لبناء مستوطناتهم في بلدنا الجميل وبناء مؤسساتهم المزعومة بدعم من جيشهم الغادر.