ازمة لبنانالاحدث

الدفاع المدني اللبناني: دور استراتيجي في إدارة المخاطر وحماية السكان | بقلم د. محمود حمصي

مهام حيوية في بيئة معقّدة
يتولى الدفاع المدني اللبناني مهامًا مركزية في إدارة الحوادث الطارئة بمختلف أشكالها، بدءًا من الحرائق والفيضانات، وصولًا إلى الكوارث المرتبطة بالنزاعات المسلحة. وتشير التجارب الميدانية، لا سيما خلال الاعتداءات العسكرية، إلى أن عناصر الدفاع المدني يؤدّون أدوارًا تتجاوز الخدمات الإسعافية، فهم يتواجدون في الخطوط الأمامية للإنقاذ في ظروف معقدة. في حالات مثل الضاحية الجنوبية خلال الاعتداءات، كان العناصر يتفقدون الأبنية المدمّرة ويستجيبون للنداءات تحت الأنقاض، ما يعكس مستوى الالتزام المهني والإنساني العالي.
الحوكمة والقيادة
تميزت قيادة الدفاع المدني بقدرتها على إدارة الموارد البشرية واللوجستية ضمن بيئة مليئة بالتحديات. اعتمدت المؤسسة على تطوير الكفاءات من خلال التدريب المستمر، وتحفيز الانتماء الوطني والمهني. القيادة لم تكتف بالإدارة التقليدية بل سعت إلى تعزيز الرؤية المستقبلية للدور الذي تؤديه المؤسسة، مع الحفاظ على القيم التاريخية التي تأسست عليها، بما فيها التضحيات التي قدّمها العديد من عناصرها في الميدان.
مكامن القوة
من أبرز نقاط القوة التي تتمتع بها المؤسسة: مرونتها في العمل، انتشارها الجغرافي المتوازن، وقدرتها العالية على التدخل السريع. كما يُسجَّل لعناصرها تميّزهم بكفاءة ميدانية نتيجة التدريب والخبرة التراكمية. الدافع الأخلاقي والوطني يشكل عاملاً إضافيًا يُعزز من أدائهم، إضافة إلى أن القيادة تسعى باستمرار إلى غرس قيم الالتزام والمسؤولية والعمل الجماعي.
التحديات البنيوية
رغم هذه المميزات، تواجه المؤسسة صعوبات بنيوية واضحة. أبرزها غياب التثبيت الوظيفي للعديد من العناصر، ما يؤدي إلى انعدام الاستقرار المهني والنفسي. كما أن الموارد المالية المحدودة تحول دون تحديث المعدات أو توسيع نطاق الخدمات. وتعتمد المؤسسة بشكل كبير على العمل التطوعي، رغم أن طبيعة المهام المتزايدة تتطلب احترافية دائمة وإمكانات تشغيلية أكثر استقرارًا.
الفرص التنموية
يحظى الدفاع المدني بقدر كبير من التقدير الشعبي، ما يمكن تحويله إلى عنصر ضغط إيجابي لتحسين ظروف العاملين فيه. إضافة إلى ذلك، فإن الانفتاح على التعاون مع منظمات دولية مانحة أو متخصصة في التدريب والتجهيز من شأنه أن يسهم في رفع الجهوزية. كما أن تراكم الخبرات الميدانية يضع المؤسسة في موقع مناسب لتطوير نموذج وطني للاستجابة السريعة يمكن الاستفادة منه على المستوى الإقليمي.
المخاطر المحتملة
تشكل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد تهديدًا مباشرًا لاستمرارية الدفاع المدني، إذ تؤثر على الرواتب والحوافز وتُضعف من القدرة على الاحتفاظ بالعناصر ذوي الخبرة. كما أن التغيرات المناخية المتسارعة وتزايد الكوارث البيئية يفرضان تحديات إضافية تتطلب تجهيزات متطورة وتدريبًا نوعيًا، وهو ما لا يتوفر حاليًا بالمستوى المطلوب.
توصيات
تثبيت العناصر ضمن ملاك دائم يضمن حقوقهم الوظيفية.
زيادة التمويل المخصص لتحديث التجهيزات وتحسين الجهوزية.
إنشاء شراكات استراتيجية مع جهات مانحة لتوفير الدعم التقني والتدريبي.
إطلاق برامج للدعم النفسي والمهني لعناصر الدفاع المدني العاملين في الميدان، لضمان استدامة الأداء وجودته.

محمود أحمد الحمصي

الدكتور محمود الحمصي، باحث ومحلل سياسي، مولود في بيروت حاصل على دكتوراه الفلسفه في الادارة العامة ومحاضر في جامعة بيروت العربية، شارك في العديد من المقالات العلمية والبحثية المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى