ازمة لبنانالاحدث

الهندسة… حين تصبح حياةً وأملاً | بقلم إيلي رزق

في عالم يتخبّط بين الأزمات والحروب، ويبحث عن طوق نجاة بين أنقاض الصراعات، يبقى الحلم العربي بسلامٍ دائم ونموٍّ حقيقي حلمًا مشروعًا… وممكنًا. لكن هذا الحلم لا يتحقق بالشعارات، بل بالعمل. ولا يصمد بالتمنيات، بل بالتخطيط، والشراكة، والعدالة.
السلام الحقيقي لا يولد من غياب الحرب فحسب، بل من حضور العدالة. من وجود فرص متكافئة، من اقتصاد يُنصف الناس لا يُقصيهم، ومن بنى تحتية تعترف بالجميع، لا تستثني أحدًا. وهنا، تبرز أهمية الهندسة، ليس كمهنة تقنية، بل كرسالة.
المهندس اليوم لم يعد ذلك الذي يرسم خطوطًا على الورق، بل أصبح شريكًا في بناء الأمل، في إعادة ترميم ما كسرته الحروب، وفي فتح دروب جديدة للفئات المهمشة. هو من يبتكر حلولًا لمن لا تصلهم الخدمات، ومن يصمم مساحات تراعي ذوي الاحتياجات، ومن يعمل ليجعل من مدننا أماكن تستحق أن نعيش فيها… لا أن نهرب منها.
ولكي يتحقق ذلك، نحن بحاجة إلى دول تفكر بطريقة جديدة. دول تجرؤ على الابتكار، لا تخشى التجربة، ولا تخجل من التعلم. نحتاج إلى ما يُعرف بـ”الدولة الابتكارية”، دولة تنصت للناس، وتحوّل الأفكار إلى مشاريع، وتمنح المجتمعات المحلية فرصة أن تكون شريكًا في القرار والتنفيذ.
الحكم الرشيد هنا ليس مجرد مصطلح بيروقراطي. هو أن يشعر المواطن أن صوته مسموع، أن جهده لا يُهدر، وأن القانون يُطبّق بعدل. وعندما تتلاقى العدالة مع الإبداع، والحوكمة مع الشفافية، يصبح الأمن أكثر من مجرد جدار عازل… يصبح شعورًا داخليًا بالأمان.
ولأن التحديات كبيرة، فإن المجتمع المدني لا يمكن أن يقف متفرجًا. الجمعيات، والنقابات، والإعلام، والمبادرات الشبابية، كلها باتت اليوم شريكة في بناء وطن يستحق الحياة. لا دولة تنغلق على نفسها، بل مجتمع يمد يده للعلم، للخبرة، وللتجربة.
والهندسة هنا، مجددًا، ليست مجرد بناء أبراج، بل ترميم ذاكرة، وحماية تاريخ، وتخطيط لمستقبل أكثر رحمةً بالناس وبالطبيعة. من إدارة النفايات إلى الطاقة النظيفة، من سلاسل الإنتاج إلى العدالة البيئية، المهندس العربي يستطيع أن يكون في قلب المشروع النهضوي… إذا أعطي الفرصة.
لكن علينا أن نعيد النظر في كيفية دعم هذه الكفاءات. أن نفضّل المكاتب الاستشارية الوطنية على الأسماء الأجنبية اللامعة. أن نبني شبكات من التعاون العربي، وأن نُعيد للمهنة كرامتها، بعيدًا عن التنظير والخطابات.
قد يبدو الطريق طويلًا، وقد يتسلل الشك إلى النفوس، لكن التاريخ لم يكتب إلا على أيدي المؤمنين. فلنؤمن بأننا قادرون. بأن الأوطان لا تُبنى إلا بجهد أهلها. وبأن من واجبنا أن نمنح من يأتي بعدنا وطنًا أفضل، أكثر عدلًا، وأقل قسوة.
فلنقدّم… حتى نتقدّم.
التوصيات المقترحة من قبل نقابة المهندسين في بيروت، للمؤتمر العربي ال 13، المنظم من مركز لبنان التطوعي، تحت عنوان ” نعمل لإحلال السلام وتعزيز الأمن وتطوير النمو في عالمنا العربي”
إعتبار العمل الإستشاري العربي صناعة وطنية تستحق الحماية والدعم، والدعوة إلى أن يُعهد بالأعمال الهندسية الإستشارية إلى الخبرات الوطنية العربية.
ضرورة السعي إلى شراكات شاملة في صنع القرارات التي تؤسس لقيام مدن مرنة وآمنة ومستدامة والعمل على تحقيق العيش الذي يسمح بالتواصل لتعزيز مؤشرات النمو.
في ضؤ تشابك التحديات التي تواجهها الدول، وفي ظل الحاجة لوجود سياسات بديلة لتحقيق التنمية المستدامة، تبرز الحاجة لتفعيل ما يعرف ب “الدولة الإبتكارية” كآلية لتفعيل الأمن التنموي لمواجهة أزمات التنمية السياسية المعاصرة.
إن مبرر وجود لبنان وديمومته هو إنساني بالدرجة الأولى، النزعة الفردية تفقد كل نجاح معناه وقيمته. بلدنا يستحق منا كل تعاضد وتضامن للشروع في ورش النهوض ولإرساء مسيرة التنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى