انصفوا القضاة كي نستطيع أن تنصفنا العدالة | بقلم أميرة سكر
في حصة محو الأمية للقاصرات داخل مركز المبادرة في ضهر الباشق للقاصرات.. وهو مركز لحجز الحرية.. وأثناء شرح درس الأضداد والمرادفات، طلبت من الفتيات إعطائي أمثلة عن الأضداد … على مثال طويل قصير ، صغير كبير … الخ
رفعت يدها بثقة عالية وقالت أنا استطيع أن أعطيك مثالا عن الأضداد ..
قلت لها تفضلي ..
قالت لي *سجين و حر*
أحسست بالصاعقة وحجم المأساة التي تمر بها الفتيات في مركز التوقيف .. وفكرت .. ماذا يمكن ان أقدم لهن ونحن نعيش اعتكاف القضاة في سابقة لم يشهدها القضاء سابقا.. القضاء الذي عليه أن ينصف البشر يعاني من أفئدة من حجر وآذان من صوان. القضاء الذي أصبح اليوم ضحية لنظام اقتصادي منهار انعكست مفاعيله على كل القطاعات وأصابت القضاء ..
لا شك أننا جميعنا كنا مخدرين منهكين متعبين مأخوذين بكل ما حولنا دون أن يحول ذلك من أن نتدخل لنسأل أنفسنا هل نحن على حق وهل ما يحدث في وطننا حقيقي وعلى حق..أم أن ما يحدث هو غوغاء وفوضى ..
كانت إجابتها العميقة أول إجابة من نوعها خلال مسيرتي التربوية .. فلم يسبق لي أن سمعت هذه الإجابة من اي متعلم في كنف المدرسة. أتتني كالصاعقة في أروقة مزاجي فأنهكتني من أصولي حتى كياني. ” بكل بساطة وانسياب وأسى وحزن لمع في عينيها قالت **سجين و حر* “
نحن لا نفكر في مصائب غيرنا لأنها ليست على سلم أولوياتنا إنما نعتقد أنه وطالما كانت المشكلة بعيدة عنا فهي لن تعنينا ولن نتأثر بها. وأتذكر قصة الثور والاسد عندما قال له الاسد .. أكلت عندما أكل الثور الأبيض ..
وهذا ما أصابنا جميعا أكلنا عندما أصيب القضاء وأنهكنا عندما أنهكت العدالة .
القضاء ينزف ويستنزف ويعاني دون أن يأبه أو تطرف عين أي مسؤول عن وضع القضاة..
النظام القضائي معقد جدا في لبنان بين قضاة التحقيق والهيئة الاتهامي وقضاة الجنايات واخلاءات السبيل ..والمعاملات القضائية تأخذ وقتا طويلا وجهدا عظيما دون أن يكون القضاة معتكفين فما بالكم إن كانو كذلك …!
انصفوا القضاة كي نستطيع أن تنصفنا العدالة.