بناء الدولة حلم اللبنانيين جميعاً فهل يتحقق قريباً؟ | بقلم د. مازن مجوز
لبنان اليوم أمام مشهد سياسي جديد، والوقت ليس للغة التحريضية التي لا توصل إلى نتيجة، بصرف النظر عن من يتحمل مسؤولية ما حصل ويحصل اليوم ونسبة توزعها بين الأفرقاء اللبنانيين، والسؤال الأهم اليوم هل من الممكن أن يشهد اللبنانييون بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي على بلدهم – والفاتورة البشرية الكبيرة التي دفعوها، وما جره من ويلات وكوارث وخسائر مادية هائلة – عملية بناء دولتهم من جديد لكن ضمن المبادىء والأسس الحقيقية المطلوبة لهذه العملية ؟
قبل الحديث عن هذه المبادىء لا بد من التشديد على عامل أساسي وهو ضرورة توافر النية الحقيقة لدى الطبقة الحاكمة أكانت طبقة جديدة بدءا من رئاسة الجمهورية مرورا برئاسة الحكومة وأعضائها وليس إنتهاء برئاسة مجلس النواب وأعضائه ، أو الطبقة الحاكمة حاليا.
إن المجتمع في العصر الحديث هو مجتمع الديمقراطية الذي يقوم على جملة من المبادىء :” الحرية المساواة العدالة والقانون” كُرِّست بدورها في جملة من تشريعات كانت بمثابة عقد اجتماعي، يمثل إرادة عامة يلتزمها الجميع بحيث يتساوى الجميع أمام هذا العقد في الحقوق والواجبات.
أما في ما يتعلق بالدولة القانونية، فهي تعني خضوع كل سلطات الدولة لأحكام القانون النافذ ، بمعنى آخر أنه لا توجد سلطة فوق القانون. فعلى سبيل المثال لا تتمكن السلطة التنفيذية المتمثلة بالإدارة من التعامل مع أفرادها الاّ من خلال قواعد القانون العامة والمجردة المشرعة مسبقاً ومعلومة عند الجميع، حيث أنه عن طريقها تم تعيين حقوق الأفراد ومعرفة الوسائل القانونية التي تستعملها الإدارة لتحقيق أهدافها.
اضافةً إلى ذلك فإنّ الإدارة مقيدة بنشاطها الذي يجب أن يحقق الصالح العام للأفراد، وذلك لأنها تعتمد على الوسائل المشروعة للوصول الى غايتها ، لذلك فإنّ الادارة في دولة القانون ملزمة بأن يكون القانون هو السند لكل تصرفاتها ، بالتالي فأنها يجب ان تكون قدوة للآخرين في احترام قواعد القانون ، لأنه في حالة عدم احترامها فإنّ ذلك سيعرضها للمسائلة القانونية ويهزّ صورتها أمام الجميع وخصوصاً الرأي العام ، إضافة الى ما تقدم فإن على البرلمان والقضاء أيضاً الالتزام بالقواعد القانونية وهذا ما نلاحظه في النظم الديمقراطية.
في تحديده لمفهوم الدولة الفاشلة يرى نعوم تشومسكي Noam Chomsky في كتابه ” الدولة الفاشلة إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية ، هي تلك الدولة غير القادرة على حماية مواطنيها من العنف والدمار، في ظل تجريد مؤسساتها من وظائفها الجوهرية واستدامة العجز الديمقراطي الخطير “.
فالدولة الفاشلة هي دولة تتمتع بوجودها القانوني على المستوى الدولي، لكن سلطتها أصبحت ضعيفة وعاجزة عن الالتزام بمسؤولياتها داخليا تجاه مواطنيها، وخارجيا تجاه الجماعة الدولية
ومن هن،ا فإن عملية بناء الدولة هي عملية ديناميكية تتطلب الاستعداد الدائم لتكييف عمل المؤسسات والهياكل القائمة فعلاً، أو حتى خلق أخرى جديدة لتتناسب مع ما يحدث من تغيرات على المستوى الداخلي والخارجي للدولة .
وهذا ما يذكرنا بتعريف فرانسيس فوكوياما ” بناء الدولة هو تقوية المؤسسات القائمة ، وبناء مؤسسات جديدة فاعلة، وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي ” ما يعني أن بناء الدولة هو النقيض لتحجيم الدولة وتقليص دورها وقدراتها وسلطاتها على مختلف اشكالها وهو ما نراه اليوم في المشهد السياسي الداخلي.
في السياق عينه، لا بد من الإشارة إلى أن تقدم عملية بناء الدولة تتطلب إصلاح وضبط المنظومة السياسية والقضائية ، من ثم الاقتصادية والأمنية والعسكرية في لبنان لما تشكله الاولى من أهمية كبيرة في السيطرة على حالة عدم الاستقرار الذي يشهده لبنان، إذ يجب على الافرقاء اللبنانيين العمل يدا واحدة من أجل تجاوز التحديات السياسية، والتي أثبتت أكثر من محطة أنها تبقى عائقا أمام تحقيق أي تقدم يتعلق ببناء الدولة، بنظام مؤسساتي متكامل.
هذا النظام يمكن تحقيقه من خلال المصالحة الوطنية بين الفرقاء السياسيين ، وتحقيق الحوار والدخول في مفاوضات لحل خلافاتها وتوجساتهم مع الفرقاء الآخرين المختلفين في توجهاتهم وطموحاتهم تجاه عملية بناء دولة مدنية حديثة في لبنان ؛ كذلك على الفرقاء السياسيين عدم اللعب على أوتار العامل الطائفي والمذهبي وتوظيفه في عملية بناء الدولة، إذ أن ذلك سيعيد لبنان إلى سابق عهده ( طيلة العشرين سنة الماضية ) ويزيد من عدم الاستقرار السياسي، والذي قد يؤدي إلى استمرار الصراع السياسي في أفقه المسدود.
في الواقع إن أهم ما قد يعانيه لبنان مستقبلاً هو عدم توصل الفرقاء السياسيين لرؤية ومقاربة موحدة حول مستقبل بناء الدولة اللبنانية، في ظل غياب رؤية استراتيجية ومؤسساتية، وفي ظل ما تعانيه من صراعات سياسية بين الفرقاء السياسيين .