1-“ولكم في القصاص حياة”نهار الجمعة 19/2/2021, خابرني ناشط حقوقي ظريف قائلا ” ابشر, ها ان الرئيس دياب قد استدعى حاكم البنك المركزي, ربما لتحذيره من مغبة تماديه بالاخلال بواجباته كرئيس لهيئة التحقيق الخاصة, ولمطالبته بالمباشرة الفورية باجراءات استعادة الاموال المتحصلة من افعال جرميّة محددة بالمادة الاولى من القانون 44/2015, والمقدرة ب 13 مليار دولارا اميركيا كما بينت في مقالتك حول “شروط نجاح المبادرة الفرنسية المتجددة”، التي عززتها بالقرائن القانونية وبالأدلة الدامغة بما لا يرتقي اليه الشك. افرحني توقع صديقي , ولغرض تصديقه لجأت الى استحضار ايماني بان الصوم الكبير هو قرين الرجاء, وبأن رجحان كفة القيم الانسانية للبروفسور حسان دياب على بهارج السلطة واغراءاتها سوف يثبت عزيمته ويحصن شجاعة قراره، وبان احتمال تمرد الخاطئ على نوازع نفسه الأمّارة بالسوء امر جائز التحقق في اي وقت, فيما لو استند الى تحول، عقلاني وواقعي، ناتج عن صحوة ضمير قد تدفع اليها مراجعة ذاتية تنير بصيرة ودرب صاحبها باعثة فيه حس المسؤولية انتصارا للانسان قبل اي اعتبار!!؟
2-“المال خادم جيد،لكنه سيد فاسد”(الكسندر دوما)
خلدت الى النوم بعد عناء يوم حافل بالندوات الافتراضية ومثقل بهموم العيش وعوارض وسواس قهري COD فرضتها الجائحة على البشرية، وضاعف من تعقيداتها لدينا تنمّر واضطهاد وتعنيف فئة قليلة من نظرائنا في الخلق وشركائنا بالوطن. ولسبب يتجاوز مداركي الذهنية فقد حلمت بان رئيس الهيئة قد تنحى عن رئاستها لمصلحة نائبه الاول, الذي اطلق العنان
لأمانتها العامة, بوحداتها الاربعة وبجميع مدققيها الذين لا يعتد تجاه اي منهم بالسرية المصرفية, كي تحدد القيمة الفعلية لتلك الاموال غير المشروعة, وذلك باسرع وقت وضمن المهل الموجزة عملا بمعايير توصيات مجموعة العمل المالي FATF, تمهيدا لتزويد القضاء بالمعلومات التي تسمح بحجزها وتقرير استعادتها من خلال آليات التعاون الدولي, وعبر حلول، حلمت بها كذلك، تتمثل بمبادرة جميع الجناة والفاسدين الى التماس تطبيق معايير العدالة التصالحية, و/او طلب التسوية الودية حفظا لماء وجوههم ، وسعيا لاعفائهم من دخول السجن لقاء التنازل عن المتحصلات الجرمية مع قبول تغريمهم .وبسذاجة ساقني الحلم الى تخيل فرحة المودعين , وانفراج كربة 98% من الشعب, وانتعاش القطاع المصرفي رغم انف اصحابه الساعين لتدميره:اضغاث احلام قد يقول الفاسدون، لكنهم اعجز عن إلغاء الشعب، او اسقاط الانسان جوهر الحقيقةالذي لن ينفذ صبره او “يستوحش من طريق الحق مهما قل سالكوها”
3-بالكذب يتزين اهل النفاق.
خاب الظن وتأجل تحقيق الحلم، بكل أسف, ففي صبيحة يوم الثلاثاء 23 شباط، تناقل بعض الاعلام كلاما لحاكم المركزي وصف” بالتحذيري” على طريقة ” اللهم اني بلغت”, او “قرع جرس الانذار”, بقوله لرئيس الحكومة” ما فينا نكمل هيك باعتبار ان الاستقرار المالي الذي كان سلامة يتباهى به تم اسقاطه بسبب تعرض لبنان للحصار”. وللغرابة فقد اخرج الامر بصورة حوار بين ندين متكافئين خلافا للواقع، وفي اطار تجاهل مقصود لاجماع الشعب اللبناني على ان الموظف العمومي صاحب هذا التحذير هو المسؤول المباشرعن سوء الوضع المشكو منه, تماما كمثل ما هو مسؤول عن الاحجام المتعمد عن توفير الحلول, اقله الاستجابة الحكمية الى مطلب استعادة ال 13 مليار دولارااميركيا, التي بات الجميع، داخل لبنان وخارجه، يعلم بان ذلك من واجبات هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها, وان عليه المبادرة دون اي تلكؤ الى تزويد القضاء بالدلائل الوقائعية والموضوعية المتوفرة, بما في ذلك هوية وارقام حسابات جميع المتورطين بالافعال المجرمّة المتعلقة بهذه الاموال غير المشروعة, والمنصوص عليها بالمادة الاولى من القانون 44/2015.. ألا رحمة الله على ابي ذر الغفاري يعجب لمن لا يجد قوت يومه فلا يخرج شاهرا سيفه!!؟
4-الحلم لا تاريخ انتهاء له،تحقيقه رهن تحرر الشعب وقراره وعزيمته
ذات يوم يعود الى ربع قرن مضى, وبمعرض مؤتمر جامع حول ” الادارة الرشيدة والحوكمة وحكم القانون”, حصد اعتراض لي على مصطلح” مقومات القضاء النزيه” تأييد معظم جمهور المشاركين من لبنان وسائر الدول، وذلك لاعتباري ان القضاء قرين النزاهة في كنهه وفي جوهره, وان استقلاليته قبس من شخصية فرسانه الشرفاء أحفاد بناة مجد “بيروت أم الشرائع”.
بئس ما فرضته علينا اليوم ثقافة الفساد وعدم المحاسبة وانعدام هيبة الدولة في جميع مؤسساتها: قضاة قلة لا يحكمون بما يعلمون استرزاقا واستزلاما, وقلة آخرون هجروا القراءة والتعلم استعلاءا وانكارا لحقيقة ان آفة الكمال الرضا, واكثرية جديرة بالاحترام انما عيبها انها صامتة, وان يكن قسرا لا طوعا, على الرغم من ايمانها بان الضمير هو حضور الله في الانسان كما يصفه فيكتور هوغو Victor Hugo , ومن تيقنها بان حتمية العقوبة اجدى من صرامة القضاة كما خبرها فيلسوف الثورة الفرنسية مونتسكيو…وبئس ما وصلت اليه حال سلطاتنا الدستورية جميعها من عجز ناتج عن تعمدها اسقاط مبدأ الفصل بين السلطات الذي اعتبره مونتسكيو مدماك الديمقراطية وركنها الأساسي…وبئس ما انتجته سياسات تبادل المصالح بين الدول من انتهاكات لحقوق الانسان, ومن توهين لمفاعيل الشرعات والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي أضحت بمعظمها حبرا على ورق, بكل اسف, عندما سمحت بتحويل الانسان الى رقم حسابي يشطب او يحذف كليا ليستنسخ من ثم بمعايير مادية ولا اخلاقية تحكمها المصالح الظرفية والمتبدلة للدول، وذلك على حساب حرية وكرامة الشعوب التي فقدت اعتبارها مصدرا للسلطات، وتبعا لاملاءات خزنة الاموال ومقرضيها ،الموغلين بنهج تدجين المجتمعات وتنميطها على ايقاع متنافر مع موجبات تعزيز حقوق الإنسان وضمان سيادة القانون صونا للعدالةالاجتماعية. أفليس ذلك حال مشروع موازنتنا لعام 2021 بكل اسف ، وقبله حال تغاضي المجتمع الدولي عن خديعة انشائنا، سنة 2001، لهيئة تحقيق خاصة مرهونة عمليا لارادة رئيسها المعين خلافا للاصول، على الرغم من ولاياتها المتعددة وصلاحياتها الواسعة للنهوض بمسؤولياتها الانسانية والوطنية الجسيمة بكل ما يتصل باليات محاربة الفساد ومنع الافلات من العقاب، الامر الذي يسمح باعتبارها، بكل شفافية ودون اي تجني، المسؤولة عن الجزء الأكبر من معاناة الشعب لتغاضيها غير المبرر عن اختلاس جنى تعب المواطنين الشرفاء مقيمين ومغتربين، ولتوفيرها التغطية والحماية لفئة تقارب ال2% من الشعب عاثت فسادا ونهبت ثروات وطن لطالما تغنى العالم بدوره الرسالي في معارج الحضارة الانسانية الواحدة، التي عبثا تتعدد محاولات التفريق بين مكوناتها بذرائع تضليلية اخطر ما فيها ابتكارها وسائل وأساليب جهنميه لجميع انواع التمييز بين البشر.