ازمة لبنانالاحدث
ترسيم الحدود في لبنان: بين التاريخ الغامض والواقع المتوتر | بقلم العميد شربل أبو زيد

لطالما شكّلت الحدود اللبنانية-السورية محورًا للتجاذبات والصراعات، وقد أُلقي الضوء على جذور هذا الإشكال التاريخي، إذ تعود محاولات ترسيم الحدود بين البلدين إلى عام 1920، عندما بدأت لجنة “أشارد” أولى الخطوات في هذا المسار، وتبعتها لاحقًا لجان متعددة من بينها لجنة “لوبيسييه” عام 1925، وصولًا إلى محاولات عام 1939. ومع ذلك، بقيت هذه الجهود تعاني من نواقص، خصوصًا في ما يتعلق بدقة الترسيم وتثبيت النقاط الحدودية، ما أدى إلى تفاقم النزاعات حول ملكية الأراضي والمراعي والمياه، خاصة في المناطق الشرقية.
وقد شهدت مرحلة ما بعد الاستقلال تعقيدًا إضافيًا، إذ تكررت الحوادث الحدودية ما دفع إلى تشكيل لجان مشتركة جديدة. ورغم أن هذه اللجان أنجزت أعمالًا مهمة، إلا أن غياب الخرائط والمحاضر النهائية الموثّقة لدى الأمم المتحدة أبقى الأمور في دائرة المجهول. ومع ذلك، فإن ما تحقق من عمل لا يزال محفوظًا ويمكن البناء عليه لاستكمال عملية الترسيم مستقبلًا.
في هذا السياق، يُذكر القرار 1680 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، الذي شجّع الحكومة السورية على التجاوب مع المطلب اللبناني بترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية واضحة. لكن المسألة ازدادت تعقيدًا بعد انهيار النظام السوري السابق، وتحديدًا إثر الاشتباكات الدامية في مناطق حدودية مثل الحويك وجرماش. حينها، جرى تدخل رسمي لبناني عبر اتصال مع الرئيس السوري المؤقت لضبط الوضع، إلا أن الإشكالات تجددت لاحقًا في قرى كـ”حوش السيد علي”، ما استدعى تنسيقًا مباشرًا بين وزارتي الدفاع في البلدين.
تُضاف إلى ذلك الاتهامات المتبادلة بشأن التهريب، لا سيما من الجانب السوري الذي يتهم أطرافًا لبنانية بلعب أدوار سلبية خلال الأزمة السورية. هذه الخلفيات زادت من تعقيد العلاقات الثنائية، وجعلت التفاهم أصعب في ظل غياب الثقة الكاملة بين الطرفين.
مع ذلك، يبقى الأمل قائمًا في ظل تحرك سعودي يهدف إلى رأب الصدع من خلال وساطة ديبلوماسية تستند إلى علاقات متينة مع لبنان ورغبة في دعم سوريا الجديدة على العودة إلى الصف العربي.
أما في ما يخص الحدود مع فلسطين المحتلة، فهي مرسّمة منذ عام 1923 عبر لجنة بوليه-نيوكومب، وتم تثبيتها مجددًا في اتفاق الهدنة عام 1949. لكن بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000، نشأ ما يُعرف بـ”الخط الأزرق”، وهو خط انسحاب لا يتطابق تمامًا مع خط الهدنة، وازدادت التعقيدات بعد حرب 2006 نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي لبعض النقاط.
هذا التعنّت الإسرائيلي لا يُعد تقنيًا بل سياسيًا بامتياز، إذ يهدف إلى دفع لبنان نحو التفاوض المباشر والتطبيع. ومع ذلك، تراهن القيادة اللبنانية على الحراك الدبلوماسي ونجاح الوساطات الدولية، آملة أن تتمكن من تحقيق انسحاب إسرائيلي كامل حتى جنوب الخط الأزرق، من دون خضوع أو شروط مفروضة.