وما أدراكم ما الوطن، الوطن إقليمٌ وشعبٌ وانتِماء، والإقليم أرضٌ وبحرٌ وأجواء، والشَّعبُ كائنات حَيَّة، عاقِلةٌ، مؤنسَنة، أمَّا الإنتِماءُ فهويَّةٌ واعتِزازٌ ووَلاء.
أرضُ الارزِ والمَرجِ والثَّلج، أهلكَها تَصَحُّر الضَّمائرِ وجفاف العقولِ فأضحَت جرداءَ قاحِلةٌ، جرَّاءَ القضاءِ على غاباتِها وإحراق أحراجِها، وقَطعِ أشجارِ اللَّزاب والبلوطِ والشَّربين والغارِ والحَورِ واليَرز ….الخ، أما السُّهولُ والمروج، فقضينا عليها بمدٍّ عُمراني عَشوائي، والثَّروةُ المائيَّةُ فهناكَ المُصابُ الجَللُ حيث التَّلوثُ طالَ جميعَ الأنهارِ والبُحيراتِ والينابيعِ، حتى المياه الجَوفِيَّةِ أُفسِدَت بآبارِ الصَّرفِ الصُّحي.
الشعب، وما أدراك ما الشَّعبُ اللبناني، فهو شُعوبٌ وقبائل، طَوائفُ ومَذاهِب، سادةٌ وعبيد، إقطاعيون ومُرابعون، بكواتٌ وأتباع، أبناء سِت وأولادُ جارِيَة، مألهون وأنصار، مليرداريونَ وذَي مَترَبَة….
الانتِماء، فحَدِّث بلا حَرَج، فكُلّ الانتِماءاتِ مُتاحةٌ ومُباحةٌ إلاَّ الانتِماءُ للوَطَنِ فهو غيرُ مَرغوب، أشبه بحُرمٌ من المُحرَّمات. انتماءاتُنا شُعوبيَّةٌ مُتنوِّعَّةٌ دوافِعُها خارِجِيَّةٌ تاريخيَّةٌ منها الفرنسي، والفارسي والتِّركي والخليجي والمصري، والليبرالي والشُّيوعي، ومنها داخلي، ذات دوافعَ غرائزيَّة منها الطائفي والمذهبي والإثني والمناطِقي. وحدَهُ الانتماءُ الوطني شبه مَفقودٍ بل تُهمَةٌ بالحَماقَةِ لا تُغتفَر، ومَدعاةٌ للتَّهميشِ والإقصاء.
وأخيرا يبقى الولاء، الولاءُ مَوجودٌ، فما أكثرَ الأولِياءِ الزَّمنيين الذين نُقدِّسُهم ونبجِّلُهم ونعلي من شأنهم إلى حدِّ التأليه، فولاءُ الشَّعبِ خالصٌ للزَّعيمِ ولسَلاطين السِّياسَة، ومُكتَنزي المال.
تعالوا نبني وَطنًا، والوَطنُ بحاجَةٍ لدَولةٍ والدَّولةُ بحاجةٍ لشَعبٍ واعٍ لمَصالِحِهِ وحُقوقِه، يؤدي واجباتِهِ الوطنيَّة، ويُحسنُ اختيارَ مَسؤوليه، ولا يتورَّعُ عن مُساءلتِهم. والمَسؤولون ينبغي أن يكونوا صالحين مُنزَّهين فوقَ الشُّبهات، وغير طوائفيين أو ممذهبين أو مناطقيين، بل زعماءُ حقيقيون على امتدادِ الوَطن.
وبناءُ الوطن، بحاجةٍ لبناءِ دولةٍ صالِحَة، دولةٌ تصونُ الأرضَ وتَحفَظُ السِّيادَة، وتحمي الشَّعبَ وتحقِّقُ الاستقرارَ والأمان ومُقتضياتِ العيشِ الكريمِ للشَّعْب كُلِّ الشَّعب.
تعالوا نَستعيدُ الدَّولةِ، التي سُرِقَت من حُكَّامِها، وأُفلسَت من قبلِ المولجين بإدارَةِ مؤسَّساتِها، وانهارت عُملتُها الوطنيَّةِ بإشراف المُؤتمنين على خزائنها، وانتُهكت سِيادتُها بسبب التَّعاملِ مع أعدائها، وقوِّضَت هيبتُها لعبثِ الميليشياتِ الحزبية بأمنها واستِقرارِها …الخ
تعالوا نَستعيدُ الدَّولةَ ونعيدُ بناءها، وفقَ مَفاهيمَ سِياسيَّةٍ عَصريَّة، ونُعيدُ تكوينَ مؤسَّساتِها وَفقَ أسُسٍ ديمقراطِيَّةٍ حِقَّة.
تعالوا نُعيدُ للجُمهوريَّةِ اللبنانيَّة بريقَها، ولنظامها البرلماني وَهجَه.
تعالوا نُعيدُ للمُمارسَةِ السِّياسِيَّةِ أدبياتَها، وليكن التَّخاطُبُ السياسيُّ من فوق الزنار لا من تحته، ولنُعِد للصحافةِ رونقها بعيدا عن لغة التَّحقيرِ والقدحِ والذَّم.
تعالوا نَحتَرِمُ أصولَ المُمارسَةِ الديمقراطيَّة، ونُكرِّسُ مبدأ الفَصلِ السُّلطات، ونَضمَنُ استِقلالَ السُّلطَةِ القَضائيَّة.
تعالوا نضمَنُ مَبدأ التَّداولِ في السُّلطةِ ونَقضي على عَقليَّةِ التَّوارثِ السِّياسي.
تعالوا نرتقي إلى مَصافِ المُواطَنة، والإبتعادِ عن المُمارساتِ الزَّبائنيَّة، والانتِهازيَّة والوصوليَّة، ونضمن لكافَّةِ الأفرادِ حقوقهم، وإرساءَ المُساواةِ بين جميع المواطنين، واحتِرامِ الحُقوقِ الفَرديَّةِ والالتِزامِ بالواجِباتِ الوَطنِيَّة.
تعالوا نغتنمُ فرصةَ الانهِيارِ، نعم فرصة الانهيار، وندعوا صُناع الفشل والانهيار، لاعتِزالِ العَملِ السِّياسي، وإلا فلنقصِهِم عن مَراكزِ القَرار.
تعالوا نتَّخِذُ زِمامَ المُبادَرَة، ونعقدُ الآمالَ، فرغم كل الإحباط ثمَّةَ فُرصٌ للتَّغييرِ لا تزالُ مُتاحَة.
إن النُّهوضَ بالبلد ليس بمُستحيل، فكل ما يتطلبه العزمُ والإرادة.
تعالوا نتَكاتَفُ ونتَعاضدُ لتَحقيقِ الإصلاحِ المَنشود، تعالوا نلتَفُّ حَولَ رُؤيةٍ إنقاذِيَّةٍ وَطنِيٍّةٍ جامِعَة، بعيداً عن كُلِّ المُماحَكاتِ والمُهاتَراتِ والمناكفاتِ السِّياسِيَّةِ الكَيدِيَّة.
إن الإصلاحَ الذي يَتطلَّبُهُ النُّهوضُ بلبنان، بعد كُلِّ الانهِيار، ينبغي أن يكونَ شامِلا مُتكامِلا مُتوازِناً وفق المَحاوِرِ التَّالِيَة:
إصلاحٌ سياسي: يبدأ بتحديثِ نُصوصِ الدُّستورِ وفق روحيَّةِ اتِّفاق الطَّائف، للحُؤولِ دون كُلِّ الفَجواتِ التَّعطيلِيَّة، والعِباراتِ المَطاطِيَّةِ التي تَحتمِلُ التَّأويل. مُرورا بإقرارِ قانون انتِخابٍات تشريعيَّةِ عَصري نِسبي، يأخُذُ بعين الاعتِبارِ خُصوصِيَّاتِ المُكوِّناتِ الطائفيَّةِ والمَذهبيَّةِ في ما خصَّ مَجلسِ الشُّيوخ، ولا طائفي بالنسبة لأعضاءِ مَجلسِ النُّواب، وقانون للأحزاب غير طائفي، وقانون عَصري يَستجيب لكُِّل مُقتَضياتِ مُكافَحَةِ الفَسادِ والإثراءِ غيرِ المَشروعِ وإساءةِ استِعمالِ السُّلطَة…الخ
إصلاحٌ اقتِصادي: يقومُ على إعادَةِ الاعتبارِ للقِطاعاتِ الاقتِصادِيَّةِ الأساسِيَّة (زراعة، صِناعَة، تجارَة، خدمات…، )
إصلاحٌ مالي: يقضي باتِّخاذِ ما يلزمُ من قَراراتٍ وتَدابيرَ قادِرَةٌ على استِعادَةِ الثِّقةِ بالقِطاعِ المَصرِفي والعِملَةِ الوَطنِيَّة، وترشيد الموازناتِ العامَّة، وإعادةِ التوازُنِ إلى ميزانِ المَدفوعاتِ والإيرادات.
إصلاحٌ اجتِماعيٌّ ثَقافيٌّ تَربوي: يَستهدِفُ الحَدَّ من تَبِعاتِ الازماتِ المَعيشِيَّة، وإعادَةِ الاعتِبارِ للمَدارِسِ الرَّسمِيَّةِ والجامِعَةِ اللبنانيَّة، والحِرصُ على ضَمانِ مُستوى التَّعليمِ وبخاصَّةٍ الجامِعي…الخ
تعالوا ننبُذُ الأحقاد، ونرمي كل الخِلافاتِ، ونَحترِمُ الاختِلافَ في الرَّأي، ونبني على كُلِّ ما بينَنا من قواسِم وطنيَّةٍ وإنسانيَّةٍ جامعة.
تعالوا نحصُرُ الانتِماءَ بالوَطن، ونُخلِصُ له الوَلاءَ. وعندَها نكون قد مَهَّدنا لقِيامَةِ وَطنِنا الحَبيب لبنان.