المواطن اللبنانيّ القارىء للأحداث المحليّة والإقليميّة والدوليّة بطبيعته ونتيجة جوعه وفقره المدقع الذي أوصله إليه بعض سارقي المال العام أصبح في حالة تشاؤم دائم خصوصًا أنّه لا شيء في الأفق يدعو إلى استرداد هذا المال العام من المنافقين.
لكنني أنا بطبيعتي أحب التفاؤل بقدر حبي لوطني لبنان لأنّني أعرف صعوبة الغربة عن الوطن بعد أن عشتها خلال فترة الدراسة في فرنسا، ورغم احترامي لهذا البلد فبالطبع لا أفضل وطني لبنان على أي بلد آخر. فأنا أهوى تراب الوطن وجبله وبحره وعذوبة مياهه.
مع إحترامي للجميع وعلمي المسبق أنّ أكثريّة اللبنانيّين هم في حالة تشاؤم نتيجة الوضع الاقتصادي الذي لم يشهده أي بلد في العالم في القرن الحديث، لكن على الشعب اللبنانيّ أن يُصرح بالحقيقة خصوصًا أنّ كل هذا الشعب قد سُرق من بعض لصوص السياسة. المهم في الموضوع أنّ المواطنون يعتقدون الآن وكأنّ الأمر سيُحلّ فور تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهوريّة خلال الشهرين المقبلَيْن، وكأنّ الماء والكهرباء والدواء والإستشفاء سيعودوا إلى أحسن حال والدولار الأميركي سيعود إلى 1500 ليرة لبنانيّة أو كأنّ النفط سيأتي في اليوم التالي بالمال الوفير.
هذه كلّها أحلام وأضغاث أحلام، لكنّني في الحقيقة أرى بعض التفاؤل على الصعيدَيْن الإقليميّ والدوليّ لعلّه ينعكس على لبنان خصوصًا أنّ تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهوريّة لا يقتصران بكل صراحة على مباحثات داخليّة بين سياسيّين قد عاد وانتخبهم الشعب اللبنانيّ منذ ثلاثة أشهر.
إنّ موضوع تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهوريّة يخضع إلى تجاذبات إقليميّة ودوليّة وهذا ما سنلاحظه قريبًا. على صعيد الإتّفاق النوويّ، هناك تفاؤل أوروبيّ وأمميّ باقتراب توقيع الإتفاق النوويّ مع إيران وأنّه بكل صراحة سينعكس ذلك على لبنان من الناحية الإيجابيّة خصوصًا أنّ أميركا وأوروبا بحاجة إلى النفط الإيرانيّ بدل الروسيّ لنقله إلى الأسواق الأوروبيّة التي تعاني من نقصً كبير في الوقود والعالم على أبواب فصليّ الخريف والشتاء وأوروبا لا تستطيع العيش دون التدفئة ودون النفط، وهذا ما سيُسرّع هذا الإتفاق وسيجعل الأوروبيّين يضغطون أكثر على الأميركيّين لكي يرضوا بشروط إيران المحقة باستعادة أموالهم وبناء دولتهم العظيمة كأي دولة أخرى تُريد بناء مؤسساتها. فكيف يحق لإسرائيل أن تملك مئات الأطنان من الأسلحة والذخائر والقنابل النوويّة ولا يحق لدول أخرى أن تحصل ولو على أي تقدّم عسكريّ أو تكنولوجيّ أو نوويّ. هذا ليس بالحق لا من ناحية القانون الوضعيّ ولا من ناحية القانون الإلهيّ.
من هنا يبدو، وبحسب ما قال منسّق السياسة الخارجيّة في الإتحاد الأوروبيّ “جوزيف بوريل”، أنّ الإتفاق النوويّ الإيرانيّ في حالة تقدّم. وقد وصف “بوريل” الرد الأميركيّ على مقترحات طهران بالمعقول جدًا، لكن إيران القويّة والواثقة من نفسها طالبت مجدّدًا بأن تُغلق الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة ملف مواقع غير معلنة يُشتبه بأنّها شهدت أنشطة نوويّة كشرط للتوصّل للإتفاق. إنّ الشروط الإيرانيّة هي مُحقّة، فإيران تُريد أن تستعيد مالها وأن تبني وطنًا قوياًّ وأن تدعم الشعب الفلسطينيّ بتحرير أرضه، وهذا حقها.
وباعتقادي أنّه إذا تمّ هذا الإتفاق بالمساعي الأوروبيّة مع الأميركيّين فبطبيعة الحال سينعكس ذلك على لبنان.
أمّا على الصعيد الإقليميّ فيُلاحظ أنّ الكويت قد أعادت سفارتها إلى إيران والعكس صحيح. وكذلك على الصعيد الإقليميّ يتردّد عبر التواتر أنّ هناك إتفاقات إقليميّة تمتد إلى إيران والسعودية واليمن وللخليج كله بشكل عام وستُسفر عن إيجابيّات سياسيّة.
من هنا أشعر بالتفاؤل بأنّ مسار الوضعَين الإقليميّ والدوليّ سينعكس بالتحسن على لبنان وليس كما يعتقد البعض بفعل سحر ساحر. فلبنان بلد قد سُرق ونُهب وللدول كما للبنك الدوليّ شروطه بدفع الأموال. فلكي يدعم البنك الدوليّ لبنان بثلاث مليارات هو يطرح شروط يستطيع أي ثلاثة أو خمسة أثرياء لبنانيّون القبول بها. فإذًا على أثرياء لبنان أن يُساهموا ببناء وطنهم خصوصًا أنّ بعضهم قد سرقوا ثروته وبعضهم قد اغتنى من المال العام بطريقة غير شرعيّة.
وأخيرًا، أتمنى أن تؤلف حكومة في الشهرين المقبلين وأن يُنتخب رئيس للجمهوريّة يكون لكل اللبنانيّن وليس لفئة واحدة. وهنا أحب أن أذكر نبش المشاكل الطائفيّة والمذهبيّة وإتفاقيات سابقة حصلت نتيجة دعمَيْن إقليميّ ودوليّ كبير لا تستطيع أي جهة إنهائها، وأخص بالذكر إتفاق الطائف لأنّه موضوع كبير دفع لبنان ثمنه ما يُقارب الـ150 ألف شهيد.
فهل من المعقول إلغاء إتفاق الطائف خلال شهرين؟ هذا مستحيل. فلتُترك الأمور إلى رئيس جديد وحكومة جديدة وليتمّ التفاهم بشكل عام على كيفيّة التدرّج لتطبيق إتفاق الطائف أو إلغاء الطائفيّة بشكل مدروس لدولة حديثة وعلى الأقل بمحاسبة ولو ناهب واحد للمال العام أمام الرأي العام العالميّ، علمًا أنّه يجب محاسبة كل سارقي من نهب وأفقر الشعب اللبنانيّ.