تقاعسُ النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية ما بين حق استنسابي وإخلالٍ بواجِبٍ دُستوري | بقلم العميد د. عادل مشموشي
الحُكومَةُ الحاليَّةٌ باقيةٌ وستُمارِسُ صلاحيَّاتِها في حدودِ تَصريفِ الأعمالِ لغاية بدء ولايةِ الرئيس الذي سينتَخب بعد العماد ميشال عون، ويُضافُ إلى صلاحيَّاتِها الصَّلاحِيَّاتُ المناطةُ برئيسِ الجُمهوريَّةِ ولحينِ انتِخابِ الرئيسٍ العتيد، وذلكَ عملاً بأحكامِ الدُّستورِ وليس بناءً على المرسوم رقم 10943 الذي وقَّعهُ الرئيسُ بتاريخ 30/تشرين الأول 2022 أي قُبَيلَ انتهاء ولايتِه، لأن الحُكومةَ بحكمِ المُستقيلةِ اعتِباراً من تاريخ انتخابِ المَجلِسِ النِّيابي الحالي أي منذ 15/أيار 2022. هذا المرسومُ الذي يسعى البعضُ إلى تحميلِه ما لا يَحتَمِل، كونَهُ مجرَّدٌ من أيَّةِ قِيمَةٍ دُستورِيَّةٍ باعتِبارِهِ جاءَ “لُزوم ما لا يَلزَم”، إذ لا اجتهادَ عندَ وضوحِ النَّص.
الحُكومةُ الحاليَّةُ بحكمِ المُستقيلةِ عملاً بالفقرةِ (هـ) من المادَّةِ 69 من الدستور والتي تنص على “تعتبرُ الحكومَة مستقيلة في الحالات الاتية: … ه- عند بدء ولاية مجلس النواب”. وستبقى كذلك أي بحكمِ المُستقيلةِ لحين بدء ولايةِ رئيس الجمهوريَّة، أي الرئيس الذي سينتخب بغضِّ النَّظرِ عن الفترة الفاصلةِ بين الاستحقاقين، وهذا ما يُستدل من نص المادَّةِ 69 اآنفةُ الذكرِ فقرتها (د) والتي تنصُّ على ” تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات الاتية…. دـ عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.” وتقتصرُ صلاحياتُها الحكوميَّةُ على تَصريفِ الأعمالِ بالمَعنى الضَّيِّقِ للكلِمَة، وهذا ما يستدل عليه من البند الثاني من المادة 64 من الدستور والتي ورد فيها “….ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مُستقيلةً إلاَّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”. ويُضاف إلى صلاحيَّاتِها الحكوميَّةِ صَلاحياتُ رئيسِ الجُمهوريَّةِ، وفقاً لنصِّ المادةُ 62 والتي تنص صراحةً على “في حال خلو سدة الرئاسة لاي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”. ومردُّ ذلك إلى المثلِ الدستوري القائلِ “بأن المؤسَّساتِ الدستوريَّةِ تأبى الفراغ”، وفي ذلك ضمانةً لاستمراريَّةِ مُزاولةِ السُّلطةِ أعمالَها وتدبيرِ شؤونِ الدَّولة، فكيف الحال إذا أشرنا إلى أن الدُّستور اللبناني قد جعلَ السُّلطةَ الإجرائيَّةَ مناطةً بمجلِس الوزراء، وهذا ما يُستدلُّ من صَريحِ نص الفقرةِ الأولى من المادة 65 والتي ورد فيها “تناطُ السُّلطةُ الإجرائيَّةُ بمجلسِ الوزراء….” كما وأن الدستورَ لم يُميِّزُ ما بينَ حكومةٍ بكامِلِ صلاحيَّاتِها وحكومةٍ مُستقيلةٍ أو في حُكمِ الاستِقالة.
وفيما لو عطفنا نصَّ المادة 62 على نص المادَّة 65 ولا سيَّا فقرتها الأولى وبندها الخامس الذي ورد فيه “… يجتمع مجلس الوزراء دورياً ….ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثر من ثلثي أعضائه، ويتخذ قراراته توافقياً، فإذا تعذر ذلك فبالتصويت ويتخذ قراراته بأكثريَّةِ الحضورِ. أما المواضيع الأساسيةُ فإنها تحتاجُ إلى موافقةِ ثلثي عدد أعضاءِ الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها….” ويُستدلُّ من ذلك أن صَلاحياتِ رئيسِ الجمهوريَّةِ التي آلت وكالةً إلى مجلِسِ الوزراءِ بسببِ الشُّغورِ، لا يمكنُ ممارستُها إلاَّ بموجبِ قراراتٍ أو مراسيمَ تُتَّخذُ في مَجلِسِ الوزراء المُنعقدِ قانوناً، أي برئاسةِ رئيس مجلس الوزراء وحُضورِ ثُلثَي الأعضاء، أمَّا اتِّخاذُها للقراراتِ وإقرارُها للمراسيمِ فيكونُ بالتَّوافقِ عليها، وإن لم يتمُّ التَّوافُقُ فيكونُ بالتَّصويتِ بأكثريَّةِ الحضورِ بالنِّسبةِ للمواضيعِ العاديَّةِ، أما المواضيعُ الأساسيَّةُ فيقتضي التَّصويتُ عليها يثلثي أعضاء الحُكومةِ المُحَدَّدِ في مَرسومِ تَشكيلِها، ونَستخلِصُ مما أوردناه، أن ممارسَةِ صلاحِيَّاتِ رَئيسِ الجُمهورِيَّةِ لا تَتطلَّبُ توقيعَ جَميعِ الوزراءِ على المَراسيمِ والقراراتِ، كما يُفتي البعضُ لغاياتٍ تعطيليَّة، وإلاَّ لأدى ذلك إلى تَعطيلِ أداءِ السُّلطَةِ التَّنفيذيَّة برُمَّتِها.
والسؤالُ الذي يطرحُ ذاتَه: لما أقدَمَ رئيسُ الجمهوريَّةِ السَّابق ميشال عون قُبَيلَ انتِهاءِ ولايتِهِ على إصدارِ مَرسمٍ غير ذي مَفعولٍ دُستوري، ولم يَبذل الجُهد الكافي لانتِخابِ رَئيسٍ للجُمهوريَّةِ قَبل انصرامِ المُهلةٍ الدُّستوريَّةِ المُحدَّدةِ في الدُّستورِ، خاصَّةً وأن لديهِ أكبرَ تكتُّلٍ نِيابي في المَجلِسِ “تكتُّل لبنان القوي”، ومؤيَّدٌ من كتلةٍ أُخرى وازِنَة (كُتلة الوفاءِ للمُقاوَمَة) وما لف لفَّهما؟ ولما حمَّلَ نفسهُ وصهرِه “رئيس تكتل لبنان القوي” مَسؤوليَّةَ تعطيلِ استِحقاقِ انتخابِ رئيسِ للجمهوريَّة، رغمَ عِلمِه بأهميَّةِ هذا الاستِحقاقِ الوطني بامتياز وبالنِّسبَةِ للمَسيحيين في لبنان بخاصَّة؟ والأكثرُ استِغراباً أنه يعي أن انتهاءَ المهلة الدُّستوريَّةِ المُخصَّصةِ لهذا الاستِحقاقِ من دون انتِخابِ رئيسٍ تَعني أنه غادَرَ القَصرَ الجُمهوري تارِكاً آلِيَّةَ انتِخابِ رَئيسٍ للجُمهوريَّةِ بعِهدَةِ خصمِهِ السِّياسي اللدود رَئيسِ مَجلِسِ النُّوابِ الذي صَبَّ عليهِ جامَ غَضَبِهِ مُحمِّلاً إيَّاهُ جلَّ أسبابِ فَشَلِ عَهدِه الرِّئاسي.
يبدو أن أكثرَ من يُسيءُ إلى مقامِ رئاسةِ الجُمهوريَّةِ في لبنان هم الذين يبدون أكثرَ الحِرصِ عليه ظاهِريَّا، وعلى الصَّلاحياتِ المُناطةِ به، وأعني بذلك المُكوناتُ المَسيحِيَّةُ السِّياسيَّةُ الأساسيَّةُ عامَّةً والموارنةُ المُسترئسون على وجهِ الخصوصِ، نتيجةَ المُغالاةِ في الأنا، والنَّزعةِ الإستئثارِيَّةِ لدى كل منهم، وربما التَّسلُّطِ على باقي المُكونات.
يُدركُ المَسيحيونَ عامَّةً حِرصَ باقي المُكوناتِ اللبنانيَّةِ الإسلاميَّةِ على أهميَّةِ الحِفاظِ على خصوصيَّةِ تَركيب السُّلطةِ السِّياسيَّةِ في لبنان، وحصرِ رئاسةِ الجمهوريَّةِ بالطائفةِ المسيحيَّةِ وبالتحديد بالموارنة، رغم أن جميعَ اللبنانيين يعلمون أن هذا التَّوجُه لا يُحاكِي الواقِعِ الدِّيمغرافي طائفيَّاً ومذهبيَّا، إذ يُستدلُّ من الإحصاءاتِ ولوائحِ الشَّطبِ أن نسبةَ المَسيحيين في لبنان لا ترقى إلى ثلث عدد السُّكان، كما أن أتباعَ المذهبَ الماروني يَقِلونَ عَدَداً عن أتباعِ بعضِ المَذاهِب الأُخرى؛ كما يُدرِكُ اللبنانيونَ كل اللبنانيين، وعلى خِلافِ ما يُشاعِ أن الطَّوائفَ المَسيحيَّةِ في لبنان لا تزالُ تَحظى بأهمِّ المراكِزِ الدُّستوريَّةِ والإداريَّةِ في الدَّولة، ونُشيرُ إلى أهمِّ تلك المراكز: رئيسُ الجُمهوريَّةِ، نائب رئيس المجلس النيابي، نائب رئيس الحكومة، رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئاسةُ التَّفتيش المركزي …الخ هذا بالإضافةِ إلى تولي قيادةَ أهم الأجهزةِ العسكريَّةٍ والآمنيَّة: قيادةُ الجيش، مُدير المُخابرات مُدير جهاز أمن الدَّولة، قيادةُ الدَّركِ الإقليمي وغيرُها.
ويغالي بعضُ المَسؤولينَ المسيحيينَ في مآخذهم على اتِّفاقِ الطَّائفِ، ويَردونَ أسبابِ الإخفاقاتِ السِّياسيَّةِ في إدارةِ دفَّةِ الحُكمِ إلى تجريدِ رئاسةِ الجُمهوريَّةِ من بعضِ الصَّلاحِيَّاتِ، ما جعلَ الدَّولةَ تدارُ بواسطةِ ترويكا رئاسِيَّةٍ (أي رئاسة الجمهوريَّة، ورئاسة مجلِسِ النُّواب، ورئاسةَ مجلِسِ الوزراء)، ما يتسبَّبُ في تعطيل عملِ المؤسَّساتِ الدُّستورِيَّةِ وأنه كرِّسَ نمطَ تقاسُمِ المراكزِ والمَغانِمِ بين الرِّئاساتِ الثَّلاث؛ بينما هم في الحقيقةِ يَتغافَلونَ عَما تَسبَّبَ به نِظامُ ما قَبلَ الطَّائفِ من نزاعاتٍ وتقاتلٍ وحُروبٍ، ولو تحت عناوينَ مُختلفةٍ، لأن دوافِعُها طائفيَّةٍ ومذهبيَّة مُبطَّنة، وأن لبنان أنشئ على حُكمٍ عِلماني نَظَرِيَّاً طائفي ـ
مَذهبي عَملِيَّاً، وبُنِيَ على نِظامٍ جُمهوري برلماني ظاهِرِيَّا ورئاسي عَمَلِيَّاً نَظراً للصَّلاحِيَّاتِ التي كانت مُناطةً بالرَّئيسِ في ظِلِّ دُستورِ ما قبلَ الطَّائف، وذلكَ لتَضارُبِ نزعتين الأولى نابِعَةٌ من شُعورٍ استئثاري يُردُّ لأيَّامِ المُتصرِّفيَّةِ حيثُ كان المَسيحيون يَتَمتَّعونَ بمَزايا على باقي المُكوِّنات ضِمن نطاقِ المُتصرفِيَّة، والأُخرى نابِعَةٌ عن شُعورٍ بالغُبنِ واللامُساواةِ من حيثُ تكافُؤ الفَرَصِ الذي تَكَرَّسَ مع ولادَةِ لبنان الكبير، ويُردُّ إلى أيَّامِ حُكمِ السَّلطنَةِ العثمانيَّةِ حيث كان يَتمتَّعُ سُكانُ المُدنِ الكُبرى وباقي الأطرافِ بمَزايا تَفضيلِيَّة على غيرِهم.
وأغربُ ما في الأمرِ هي نظرةُ بعضِ اللبنانيين إلى اتِّفاقِ الطَّائف على أنه اتِّفاقُ الضَّرورةِ، كونه جاءَ بعد حربٍ أهليَّةٍ دامت ما يزيدُ عن خمسةِ عشر عاما، لأنهم يَتجاهلونَ حَقيقةٌ هامَّةٌ، مفادُها أن اتِّفاقَ الطَّائفَ الطَّائفِ، بالإضافةِ إلى أنه انتشل لبنان من آتون حربٍ مُدمِّرةٍ مُفتِّتة، قد أسَّسَ لنِظامٍ جُمهورِي برلُماني حَقيقي، يحفظُ خصوصياتِ مكوناتِه، وإن انتزعَ بعضاً من الصلاحِيَّاتِ الاستئثاريَّةِ التي كان ينفردُ بها رئيسُ الجُمهوريَّة، فهو لم ينقُل تلك الصَّلاحِيَّاتِ لأيِّةِ رئاسَةٍ أُخرى، بل أناطَ السُّلطةَ التَّنفيذيَّةَ بمجلِسِ الوزراءِ مُجتَمِعا، فَحدَّ من أيِّ جُنوحِ تَفرُّدي دكتاتوري تَسَلُّطي قد ينحرفُ إليه من يتولى رئاسة الجُمهوريَّة، وبالوقتِ عينِه أولاها لمجلِسٍ مُتوازنٍ يتشكَّلُ من كُلِّ المُكوناتِ الوَطنِيَّة، ويحظى بثقةٍ مَجلِسِ نوابٍ مُتوازِنٍ أيضا، ما يَحولُ دونَ تَمكينِ مُمثلي أيَّةِ طائفَةٍ أو مَذهَبٍ من التَّحكُّمَ بالسُّلطَةِ الإجرائيَّة.
وربى سائلٍ يسأل أين العيبُ إذن، وما هي أسبابُ تعطيلِ المؤسَّساتِ الدستوريَّة؟ والجوابُ واضِحٌ وصريح، إن العيوبَ تَكمُنُ في النُّفوسِ لا في النُّصوص، لأنه وإن اعترى الأخيرَةُ بعضُ الثَّغراتِ فإن الأولى (العقول) مُصابَةٌ بوباءِ الطَّائفِيَّةِ والمَذهَبِيَّةِ المُلوِّثِ للعُقول، ما يمنعُها من التَّفكيرِ وَفقَ مَعاييرَ إنسانيَّةٍ وطنيَّةٍ مُتجرِّدةٍ وموحَّدَة. ولو لم تكن عقولُ المسؤولين ملوثةٌ بهذه السُّمومِ لما عطَّلوا الاستِحقاقات، ولأجروا ما يلزمُ من تعديلاتٍ دستوريَّةٍ إصلاحِيَّةٍ ضَروريَّة.
وبالعودَةِ إلى استِحقاقِ الانتخاباتِ الرئاسيَّة، النَّصُ الدستوري لواضِحٌ ولا يحتمِلُ التأويل، ولديهِ من الضَّماناتِ ما يكفلُ انتِخابَ الرئيسِ ضمن المُهلةِ الدستوريَّة، وبخاصَّةٍ عندما نصَّ على اتئامِ النوابِ حُكما في الأيامِ العَشرِ التي تَسبِقُ موعِدَ انتِهاءِ ولايَةِ الرئيس، وكهيئةٍ ناخِبة وحرَّمَ القيامَ بايةِ أعمالٍ أخرى، أما الخللُ فيكمنُ في الفتاوى التَّعطيليَّة، التي جَعلَت من جلسَةِ انتِخابِ الرَّئيسِ جَلسات انتِخابيَّةٍ مُتقطِّعةٍ، يمكنُ أن تفصِلَ بينها جلساتٌ تشريعِيَّة، وبدلاً من حَصرِ نصابِ ثلثي عدد أعضاء المَجلِس في جلسةِ الانتخابِ الأولى أفتوا باعتِمادِ هذا النِّصابِ في جَميعِ دوراتِ الانتِخاب، وبدلاً من تنظيمِ مَحضرٍ واحِدٍ يُخصَّصُ لإثباتِ نتائجِ جَميعِ دوراتِ الانتِخابِ بما في ذلك الجلسةُ التي ينتخبُ فيها الرئيس دأبوا على تنظيم مَحضرٍ بكُلِّ دورةِ انتِخاب، ما قلبَ المفاهيم الديمقراطيَّةَ، فجعلَ الأقليَّةَ تتحكَّمُ في عمليَّةِ انتِخابِ الرئيسِ بعرقلتِها تَحقيقِ نِصابِ الجَلساتِ، ولِرَبطِ حُضورِها بانتِخابِ رَئيسٍ يُمثِّلُها أو يكونُ مِطواعا لِها. هذا ما حَصلَ في الانتِخاباتِ الرئاسيَّةِ السَّابِقَة، وهذا ما يَسعونَ إلى تكريسِهِ كعُرفِ يتنافى مع روحِيَّةِ الدُّستور.
وأختُمُ بالقولِ، إن كان المُشرِّعُ قد تركَ للنُّائبِ حقَّ التًّصويت للشَّخصِ الذي يراه مُناسِباً لرئاسةِ الجُمهوريَّةِ، إلاَّ أنه ليس مُخيَّراً في حُضورِ الجَلساتِ المُخصَّصةِ لانتِخابِ رئيسٍ للجُمهوريَّة، سَواءَ كانت الجلسَةُ قد حُدِّدت بِناءً لدَعوَةٍ من رئيسِ المَجلِسِ أم حُكما، لأن انتِخابُ الرَّئيسِ واجِبٌ دُستوري، وإن يَكُن غيرَ مُعاقبٍ عليه جَزائيَّا، ولو كان قد وردَ في ذِهنِ المُشرِّعِ تُعَمُّدَ النُّوابِ تَعطيلِ جَلَساتِ الانتخابِ لكانَ نَصَّ على مُلاحَقَتِهِم بجريمتي خَرقِ الدُّستورِ والإخلالِ بالمَسؤولِيَّاتِ المُلقاةِ على عاتِقِهم.
وإن كانَ من نصيحةٍ أدلي بها، فأقولُ التَّقوقعُ الفئوي قاتلٌ، أما عناصرُ القوةِ فتكمنُ في الانفتاحِ الذي يضمنُ للأقلِّيَّاتِ مكانتها ورُبما تفوُّقَها، وخيرُ مثالٍ على ذلك إيلاءُ قيادَةِ الحَركاتِ التَّحرُّريَّةِ على امتِدادِ المَشرقِ العَربي لمَسيحيين في الأمدِ البعيد، وتكريسُ المُسلمين والمَسيحيين في الأمَدِ القريبِ لزَعاماتٍ من غيرِ طَوائفهِم، أمثالُ كميل شمعون، وكما جنبلاط، وفؤاد شهاب، وريمون إدَّة وغيرِهِم.