توارث الجَهل والطبقية | كتب فؤاد سمعان فريجي
يقول يسوع كل من اتضع ارتفع وكل من ارتفع اتضع.
يبدو أن الكثير يعرفون ذلك، لكنهم يتناسون، لأنهم يغرقون في سطحيات وشكليات البرستيج المزيف.
تضج الحياة الإجتماعية اليومية بالمناسبات ومواعيد اللقاءات.
وما زالت حتى اليوم مثلًا ( طاولة الشرف ) هذه الموروثة الجهنمية التي تفصل بين الناس وتُصنفهم درجات، حيث باقي الناس أقل شرف ممن يجلسون على الطاولة المذكورة.
كنت مدعوًا لمناسبة تخرج طلاب منذ فترة قصيرة، المفاجأة ان أهالي الطلاب يجلسون على المدرجات بينما مدعوي إدارة المدرسة يجلسون في مقدمة الحفل في الصفوف الأمامية، ويتم الإشادة بهم فقط للتبجيل وبيع المواقف وفق ما تتناسب ومصالح الطرفين وذلك على حساب الطلاب والأهالي.
علمًا أن أهالي الطلاب هم من صنعوا هذا الصرح العلمي وليس أصحاب الألبومات المزيفة ومرضى التصوير وتوابعهم من محبي الظهور.
في المجتمعات المتخلفة تزدهر الألقاب الفضفاضة، ويصبح الصغير مكان الكبير، الحرب اللبنانية وما تبعها من فوضى ساهمت إلى حد كبير في تفريخ أشخاص معتوهين فكريًا وشبه أميين تسلقوا على ظهور الشرفاء وأبناء الأصول حتى باتت الصورة من بعيد لا تُفرق بين الصالح والمتجني.
في الأماكن الدينية والمنتديات الاجتماعية والسياسية والثقافية والإقتصادية وغيرها تُحجز الصفوف الأمامية وبالأسماء لأصحاب الكليشهات وربطات العنق، فيما أصحاب الأدمغة من المتواضعين والذين لا يملكون السطوة والنفوذ يجلسون في الصفوف الخلفية وعلى مداخل الصالات.
وهنا ينطلي المثل بأن الغبي هو من يجلس في الصفوف الأمامية ليراه الناس، بينما العاقل يجلس في الصفوف الخلفية ليرى كل الناس.
والأسوأ في الحضور هو جحافل المرافقين الذين باتوا عرفًا ايضًا للمطربين والرقاصات وبائعات الهوى، وكأن هؤلاء مستهدفين دوليًا على أساس يملكون خطط لزعزعة نظام الكواكب وتركيبة المنظومة الشمسية !!
في إحدى المناسبات ( الدينية )، اللجنة المُنظمة وضعت في المقدمة أسماء المدعوين وبعدما اكتمل المشهد للإفتتاح نطرت وفي حشرية مقصودة مني، جميع ناهبي المال العام والسياسيين الذين خربوا البلد والمهربين واصحاب كونتورات الربى والزناة ومرضى حب الظهور إضافة إلى ممثلين من مبخري الأنظمة والأحزاب، وبعض من جاءت بهم الصدف من يسمون انفسهم رجال عمال !
وبدل ان يتم عزل هؤلاء عن الحياة العامة ومعاقبتهم على ما فعلوه في وطن العمالقة على الأقل اجتماعيًا، نراهم يتصدرون المناسبات ويتحفوننا بالخطابات الجوفاء والوعظ الساقط.
ان من يتحمل تبعات هذه الموروثات، هو الشعب المستسلم للتخدير والنوم في كهوف الجهل والاستسلام للأمراض النفسية، ويبدو ان الأمور لن تستقيم في المستقبل بل ستتطور نحو الأسوأ !
والى من يغرقون في البروتوكولات والإتيكات :
في احدى المناسبات دُعي نابليون بونابرت إلى حفل عشاء فجاء متأخرا عن موعده، وجلس على أول مقعد وجده، فقال له صاحب الدعوة : يا سيدي هذا ليس بمكانك.. مكانك في المنصة الرئيسية!!
ليردّ نابليون بكل ثقة: أينما يجلس نابليون تكون المنصة.
أنت من تمنح المكانة للمكان.