توازن الرعب والثمن الباهظ | بقلم د. رنا منصور
إنّ ثأر المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة الأخير وما لحقه من ردود سابقة، أقنع الجميع أنّ اللعب مع المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة وحلفائها خط أحمر، وأنّ مستقبل غزة وحركة حماس وكامل فلسطين بخير، لأنّهم فضّلوا جميعاً درب الجهاد دفاعاً عن الأمة وأرضها المقدّسة والمقدّسات.
وقد جرت محاولات كثيرة من إسرائيل وحلفائها لإعطاء انطباع أنّ حزب الله سوف لن يقوم برد على اغتيال القائد العسكريّ الحاج فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس الحاج اسماعيل هنيّة، وذلك لبث حالة من السخط في قلوب المقاومين. والجميع يعلم أنّ هذه هي طريقة دولة الإحتلال ورُعاتها الغربيّين لتشكيل أرضيّة مشتركة للترويج الكاذب والمزيّف بعدم إعطاء المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة الأولويّة للقضيّة الفلسطينيّة وإنّما للبنان وجنوبه.
وبعد الإستغلالات الإعلاميّة الظالمة من بعض المأجورين، أريدكم أن تسألوا أنفسكم: “ألم يوجّه سماحة السيد نصر الله رسالة حاسمة لإسرائيل بأنّ زمانها قد انتهى؟ ورسالة ثانية بأنّ اغتيال الحاج هنيّة والحاج شكر سوف يُدفع ثَمنه باهظاً، وأنّ دماءهم الطاهرة لن تذهب سُدى؟ وأنّ رد البارحة، ما هو إلا مرحلة أولى من مراحل الرد”.
نعم، لقد نجح سماحة السيّد بشكل كبير في بث الذعر والخوف في نفوس الصهاينة، مهدّداً بأنّهم إذا ما أرادوا الحرب الشاملة فإنّه جاهز وعلى أتمّ الاستعداد لكي يُقزّم كيانهم الغاصب، ويُحقق الإنتصارات الميدانيّة المتتاليّة عليهم. ولقد تمكّن سماحته من إظهار كيف أنّ إسرائيل التي عجزت عن القضاء على حركة حماس في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته الـ٣٦٠ كيلومتراً، رغم دعمها بالأساطيل والغواصات الحربيّة الأمريكيّة والأوروبيّة، ورغم الإمداد العسكريّ الهائل لها بالعتاد والأسلحة والذخائر، وبأحدث أنواع الطائرات الحربيّة.
ما هو إلا احتلالٌ أوهن من بيت العنكبوت وبحاجة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة لكي تدافع عنه وتحميه وتؤمّن له مقوّمات الحياة للاستمرار والبقاء في محيط أغلبه ينبذه ويزدريه.
وقد نفّذ سماحة السيد انتقامه لاغتيال القائدَيْن الشهيدَيْن شكر وهنيّة، وقد بدا ذلك واضحاً عندما طأطأ نتنياهو رأسه من اللحظة الأولى في المجلس الوزاريّ المصغّر، وربما سيسعى مستقبلاً للبحث عن ملاجئ تحت الأرض تأويه وتخبّئه هو وعائلته من بطش صواريخ محور المقاومة ومسيّراتها الحربيّة، خائفًا من عواقب عمليات سفكه لدماء المقاومين الأبرياء، وشاعراً بالمرارة والذل والإنحطاط، وهذا بحدّ ذاته يدعو إلى تقدير محور المقاومة وإنجازاته الميدانيّة، لا سيّما في لبنان.
بناءً على هذا الواقع، فإنّ سماحة السيد أرسى مجدّداً معادلة توازن رعب عسكريّ مع إسرائيل، وهذه هي رسالة أساسيّة وفّرت أرضيّة حماية ورعاية خصبة لجميع الفصائل المقاومة في المنطقة، وقوّت شوكتها على جيش الإحتلال الأرعن.
وعليه، فإنّ القضية هي أنّ آلام أهل غزة ستنتهي في القريب العاجل، وسيتأمّن لهم غدٌ مشرقٌ بإذن الله تعالى، ودولة فلسطينيّة مستقلّة تحميهم من بطش النظام الإسرائيليّ. وبالأخص، بعدما شاهد الجميع مؤازرة حزب الله للفلسطينيّين التي لا تخطئها العين أو يتعامى عنها الإدراك السليم، لا سيّما أنّ الحزب مع سائر الحركات المقاومة في المنطقة من اليمن إلى العراق إلى سوريا فإيران، بأقصى قوّته اليوم ويُمثّل جسراً ممدوداً لفلسطين ولغزة بالذات يقضي على كل المحارق التي يرتكبها الكيان الغاصب في غزة والجنوب اللبنانيّ، خدمةً لمصالح سادته الغربيّين.
كذلك، فإنّ استمرار دعم السيدَيْن خامنئي ونصر الله للفلسطينيّين سيقضي مستقبلاً على كلّ الهجمات الإسرائيليّة الشرسة على قطاع غزة، لأنّ المحتلّ سيراجع سياسته هو وسيّده الأميركيّ، سواءً على المدى القريب أو المنظور، بالأخص بعدما بات واضحاً موضوع أهميّة الدور الذي يلعبه حزب الله في دعم فصائل المقاومة في الشرق الأوسط برمّته.
وبرأيّي، فإنّ إيمان سماحة السيد نصر الله بأنّ الإرهاب الإسرائيليّ يُمثّل اليوم الألم الذي يجمع بين أبناء الأمة، هو ما دفعه للثأر للشهداء الأبرار من خلال تحرّك عسكريّ مباغت، وهذا سيضع حدّاً نهائيّاً لاستمرار العربدة الإسرائيليّة في غزة والجنوب. ولذلك، فإنّ نتنياهو قد فهم أنّه لن يتمكن من مواصلة إبادته لسكان غزة جماعيّاً، ومواصلة مس جيشه بسيادة دول الجوار واستباحة حرماتهم، لا سيّما بعدما علمت الويلات المتّحدة بأنّ قواعدها العسكريّة الشرق أوسطيّة باتت بخطر أيضاً من قِبل محور المقاومة نتيجة دعم أميركا للمحارق الإسرائيليّة وتوفيرها الغطاء السياسيّ والعسكريّ لها.
كما أعتقد أنّ الجميع بات يعلم الآن أنّ مواجهة الكيان الصهيونيّ المحتلّ لفلسطين هي من صُلْب عقيدة المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة، وسماحة المرشد الأعلى للجمهوريّة الإيرانيّة أيضاً، اللذَيْن يهدفان لتوعية وزرع فكر راسخ بعقول النشء والجيل الجديد، لجهة أنّ تحرير فلسطين والقدس والمقدّسات هو قضيّة كلّ فرد من الأمّة العربيّة والإسلاميّة الرائدة.
أمّا على الصعيد الدّوليّ، فستخيب آمال تحالف الدول الغربيّة مع الإحتلال الصهيونيّ لجهة أنّهم لن يتمكّنوا من الإنتصار على مقاومي غزة وتحرير أسراهم، ما لم يرضخوا لطلبات الفلسطينيّين وشروطهم التي في طليعتها الإنسحاب العسكريّ الإسرائيليّ من غزة وإعلان وقف إطلاق نار دائم وتحرير الأسرى الفلسطينيّين من المعتقلات الصهيونيّة.
ومن هذا المنطلق، فإنّني أجد بأنّ الأصوات الغربيّة بدأت تعلو مؤخّراً للمطالبة بإنهاء الإحتلال الإسرائيليّ لغزة وللإعتراف بالدولة الفلسطينيّة المستقلّة كعضو مكتمل الصلاحيات في الأمم المتّحدة، ولإسقاط حكومة اليمين الإسرائيليّ المتطرّف ومحاسبتها على جرائمها.
وختاماً، إنّ سياسة ازدواجيّة المعايّير الغربيّة لم تعد تُجدي نفعاً في التعامل مع قِوَى وفصائل المقاومة في المنطقة، لأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة والأوروبيّين باتوا يُدركون من هو المحور الأقوى في الشرق الأوسط، وبأنّ زمن التفوّق الإسرائيليّ قد انتهى، وأنّ زمن استخدام الكيان الغاصب كشرطي للمصالح الاستعماريّة قد ولّى إلى غير رجعة، لا سيّما بعدما شُهِد يستغيث طالباً النجدة من دول الغرب للمحافظة على وجوده واستمراره في فلسطين المحتلة.
وفي النهاية، يبقى الثأر الإيرانيّ القادم لدماء الشهداء هو الردّ الأقوى على مجازر ومحارق إسرائيل بحق الشعب الفلسطينيّ، الذي يعيش واقعاً مأساويّاً منذ حوالى ستة وسبعين سنة، وستنجح الثارات بتحقيق الغاية المرجوة والمنشودة منها، وما قِطافُ ثمارها الكاملة إلا قاب قوسَيْن أو أدنى. فليستبشر الجميع بكل خير قادم لفلسطين وغزة ولكلّ الأمّة المجاهدة، إيماناً بقوله تعالى: “فاستبشروا ببَيْعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم”، صدق الله العلي العظيم.