خطاب الكراهية يهدّد القوى الأمنيّة اللّبنانيّة | بقلم ناديا الحلاق
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
المصدر: وكالة انباء اسيا
منشور واحد تحريضيّ، على وسائل التّواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونيّة، كفيل بتهديد الأمن القومي، والتّسبب بأعمال عنف وشّغب بين المواطنين، وفي قتل وجرح العشرات. ففي الآونة الأخيرة تعاظم دور هذه الوسائل، إلى أن أصبح أساسيّاً في التّعبير عن الاتّجاهات والأفكار، لا بل أصبح من أحد أهمّ أدوات التّأثير في صناعة الرّأي العام وتشكيله خصوصاً لدى الشّباب.
وعلى الرغم من أنّ مواقع التّواصل الاجتماعي هي مساحات افتراضيّة، وجدت أساساً من أجل التّعارف والتّواصل بين روّادها، إلّا أنّها أصبحت مؤخراً وتحديداً في لبنان، تشكّل خطراً على الأمن القومي، بسبب سوء استخدامها في البثّ الممنهج لفيديوهات تحثّ على الكراهيّة والتّحريض على العنف.
جريمة التّحريض على العنف
وكان قد ظهر خطر سلبيات استخدامها في لبنان في العام 2020، عندما تمّ نشر صورة لشرطيّ يضرب إمرأة ضرباً مبرحاً ويدعس رأسها، وقام الناس حينها بتداول ونشر الصّورة، ما تسبب بخلق حالة من الغضب والاحتقان، كادت أن تكون سبباً بمواجهات عنيفة بين نشطاء الحراك الّسياسي المدعومين من جهات غربية، وعناصر القوى الأمنيّة، قبل أن يتبيّن أنّ الصّورة تعود لإمرأة بلجيكيّة.
و لا يخفى على أيّ مراقب أنّ هناك من يدفع الأمور نحو التّوتر في لبنان، بهدف استدراج مشاكل أمنيّة داخليّة لجرّ الأحزاب إلى الشّارع. وخلال العامين الماضيين وتحديداً الفترة الاستثنائيّة التي يمرّ بها لبنان منذ تشرين 2019، وتشهد البلاد طفرةً من الحملات التي أطلقها عدد من الشّركات والمؤسّسات، للإعلان عن هدف طموح، للتّحريض على العنف ونشر الأفكار النّمطية المؤذية على صفحاتها، فالمتابع المدقّق في الأحداث ، لا يستطيع نفي تزايد خطاب الكراهيّة، خصوصاً مع تصاعد حدّة الأزمة الاقتصاديَّة، والسّجالات السّياسية الدّاخلية والتّوترات الأمنيّة التي تنذز بوجود قنبلة، يخشى أن تنفجر في أيّ وقت.
خطاب الكراهية
وصل خطاب الكراهية وتأجيج العنف في لبنان، مؤخراً إلى المؤسسة العسكريّة والقوى الأمنيّة، لا سيّما بعد انفجار التّليل في عكار شمال لبنان الذي وقع بعد أقلّ من أسبوعين على إحياء لبنان الذّكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص.
28 قتيلاً على الأقل في انفجار صهريج وقود في التليل، وسط أزمة محروقات حادة تعيشها البلاد، وأزمة اقتصاديّة صنّفها البنك الدّولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، تسببت بفقدان اللّيرة أكثر من 90% من قيمتها، في وقت أصبح 78% من اللّبنانين تقريباً يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وفق ما أعلنه مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشّؤون الإنسانيّة.
وبسبب تردي الأوضاع، استمرّت الاحتجاجات الشعبيّة لأشهر متواصلة وما وزالت، على خلفية مطالب معيشية في بلد صغير تثقل المديونية والفساد والمحاصصة والوراثة السّياسيّة كاهله، وكانت من أبرز مطالب المتظاهرين إجراء انتخابات مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطّبقة الحاكمة، ورفع الحصانة عن مسؤوليين أمنيين ونواب.
من ثوار الشّمال
النّاشط في الحراك السّياسي، محمود خضور من شمال لبنان، الذي لبّى كل دعوات التّظاهر منذ 17 تشرين وحتّى اليوم، احتجاجاً على سياسة تجويع وافقار الشعب اللّبناني، ومؤخراً كان في الصّفوف الأماميّة للدّفاع عن منطقة التّليل المنكوبة، وعن أهلها بعد الانفجار الكارثي، إذ يؤكد تضامنه مع أهالي عكار والوقوف إلى جانبهم في مصابهم، مشيراً إلى أن ما حصل ويحصل في لبنان هو نتيجة إهمال وفساد مستشريين منذ سنوات.
ويشير النّاشط إلى أنّ أهالي الشّمال بانتظار إشارة من أهالي ضحايا إنفجار التّليل، وإن أرادوا التّصعيد فليكن، بما أنّ التّجارب السّابقة أثبتت لنا أنّ التّحقيقات تراوح مكانها، وأنّ الطّبقة السّياسيّة والقوى الأمنيّة تعرقلها.
وعن دور الوسائل الإعلامية ومواقع التّواصل الاجتماعي في تأجيج النّزاع بين نشطاء الحراك والقوى الأمنية، يقول محمود لا ننصاع لما يروّج له في الإعلام، نحن شعب موجوع ومحروم، خصوصاً في عكار، التي تحظى بتعتيم إعلامي، وتضليل للحقائق، ما نعيشه يومياً أقرب للخيال.
ويتابع، نحن لا نريد التّصادم مع الجيش والقوى الأمنيّة، بل هم من دفعونا إلى ذلك، داعياً إلى وقف القمع بحق النشطاء والتّوقيفات القسرية وتعرضهم للتّعذيب. مشيراً إلى أنّ القوى الأمنيّة استخدمت القوّة المفرطة مراراً ضد المتّظاهرين.
ويضيف، دفعت عكار ثمناً باهظاً جرّاء النّظام السّياسي الفاسد في لبنان، وحملت وصمت الإرهاب، حتى أصبح معظم اللّبنانيين يخشون الدّخول إلى البلدة، باعتبارها متشدّدة وإسلاميّة.
وشهد عدد من المناطق في لبنان وخصوصاً منطقة الشمال احتجاجات وتظاهرات وقطع طرق أدت إلى مواجهات عنيفة واصطدامات، مع القوى الأمنية والجيش اللّبناني بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية .
ولاحقت السلطات اللبنانية المتظاهربن الذي قاموا بأعمال شغب والمخلين بالامن والمتورطين في الأعمال التخريبيّة.
استهداف القوى الأمنيّة
من جهته، يطلب الأمين العام لحزب سبعة، من القوى الأمنيّة والجيش، أن لا يكونوا من ضمن المنظومة الفاسدة في لبنان، وأن يطبّقوا القانون بحياد وموضوعيّة، لا أن يمارسوا أساليب القمع والانتقام بحق المتظاهرين.
ويؤكد أن ليس للعنف دور في الرّد على التّجمع السّلمي والمطالب الاجتماعيّة الأساسيّة. على السّلطات اللّبنانية أن تحترم حقوق المتظاهرين وتستمع إلى مطالبهم.
ويستنكر شمص الاعتقالات والاستدعاءات العشوائيّة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والجيش، لمجرد تعبير نشطاء الحراك عن رأيهم، وهو ما حصل مع رئيس المجلس التّشريعي في حزب سبعة، جاد داغر، الذي أوقف من قبل شعبة المعلومات، على خلفية منشور كتبه على صفحته على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي.
كما يبدي تضامنه مع النشطاء الذين أوقفتهم شعبة المعلومات بعد ادّعاء النّائب طارق المرعبي على من اقتحموا منزله بعد انفجار التّليل، واتهامه لهم بالسّرقة في محاولة لمنعهم عن محاسبة النواب والسياسيين واقتحام منازلهم.
ويوضح شمص أنّ القوى الأمنيّة في لبنان تقوم بممارسات ميلشياويّة، تذكّرنا بالنّظام السّوري، ما يؤكد أنّها تقف إلى جانب المنظومة الحاكمة ضدّ الشّعب. من هنا نقولها علناً، إن بقيت الأمور على حالها، نؤكّد أنّنا سنعتبر القوى الأمنيّة من ضمن هذه المنظومة الفاسدة، وسنستهدفها من خلال ممارساتنا السّياسيّة، وتقاريرنا الدّولية ضمن منظّمّات حقوق الإنسان.
ويردف، لبنان “طار”، نحن في بلد يفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة، فأي خطاب كراهية يتحدّثون عنه؟ نحن لا نحتاج إلى الخطابات للحقد على هذه الطّبقة الفاسدة، التي تعمل بيد أمنيّة فقط، فهل يعقل أن يكون لدينا دولة غائبة عن تقديم الخدمات لشعبها، حاضرة عند معاقبته؟
ويؤكد أن لا صحة لوجود ما يسمى “خطاب الكراهية” والتّحريض من قبل بعض الوسائل الاعلاميّة كما يشاع، أداء الطّبقة الفاسدة وممارساتها في لبنان كفيل بزرع الحقد والكراهية في قلوب اللّبنانيين.
وخير دليل على ذلك، إنفجار 4 آب الذي دمّر بيروت في العام 2020، ومؤخراً انفجار صهريج وقود في بلدة التليل في عكار الشمالي، نتيجة الإهمال والفساد والتّهريب، ما أودى بحياة العشرات، إضافة إلى التّشوهات التي تركها بحق أهالي المنطقة، ورغم ذلك لم ولن يكشف النّقاب عن المسؤولين، فمن يحاسب على هذا الفساد المستشري في لبنان؟ أين هم اليوم هؤلاء الفاسدين الذين تسببوا بكل هذه الأزمات والانفجارات، أين هي أموالنا وبأي حسابات وُضع جنى عمرنا؟.
ويختم، إن لم يكن هناك قضاء مستقل وشفاف لحمايتنا من هؤلاء الفاسدين، فالشعب سيضرب بيد من حديد، ويلاحق ويستهدف المنظومة الفاسدة بكل مكونتاتها أينما وجدت، و”كلن يعني كلن”.
افتراءات بحقّ الأجهزة الأمنيّة
وأكد مصدر أمني، أنّ عنصر قوى الأمن هو مكافح شغب، هدفه وقف أعمال الشّغب والعنف، وليس الانتقام من المتظاهر الذي وقف بوجهه. العسكري لا يختلف عن المواطن إلا ببزّته، وقد يخفق بعضهم أثناء القيام بمهامهم، لكن عادة ما تكون أخطاءهم قليلة، ومنذ بداية ثورة 17 تشرين وحتى اليوم، الأخطاء المرتكبة من قبل العناصر معدودة، نسبة لضخامة التّظاهرات واستمرايّتها.
ويشير الى أن هذه الاخطاء هي ردّات فعل غير محسوبة، ، نادراً ما تحصل في لبنان، وعادة ما تكون فرديّة وخارجة عن الأوامر المعطاة للعنصر، وهو طبعاً أمراً مخالفاً للقانون.
أما بالنسبة للتوقيفات من قبل شعبة المعلومات فتكون وفق إشارة من القضاء المختصّ وما على العنصر الا القيام بواجبه.
ويلفت إلى أن حرية الإعلام في لبنان مقدّسة ويكفلها الدّستور، ولكن للأسف بعض الوسائل الاعلاميّة ومواقع التّواصل الاجتماعي، تستغلّ ذلك، ببثّ الأخبار المضلّلة، التي تمسّ بأمن البلاد، لا بل وأمست “مسدساً غير مرخّص” بيد الجميع، وهنا تكمن الخطورة.
وعن ثورة 17 تشرين يقول: أصبح لديها وسائل إعلاميّة خاصّة بها، وهي للأسف غير موضوعيّة، الإعلام الحرّ يتميّز بشموليّته وواقعيته. اليوم نواجه مشاكل كبيرة مع المواقع التّابعة للثّورة، والتي تزييف الحقائق.
ويلفت إلى أنّ البعض يستغلّ هذه المنصات ويدشن جيوشاً إلكترونية تقود الجموع الغافلة نحو الانقسامات والفوضى والتّحريض على القوى الأمنيّة.
ويتساءل المصدر الأمنيّ، هل تريد هذه الوسائل أن تعمّ الفوضى في لبنان، ويغيب الأمن، ويسقط البلد بفم الشّغب؟ الثّورات السّلميّة هي أرفع درجات الوعي الجماهيري، فلا تشوهوها بالتّخريب والتّحريض.
ويردف المصدر الأمنيّ، يجب معالجة معضلات التّضليل الإعلامي، وخطاب الكراهية، ووتحقيق الأمان الرقمي.
ويضيف، لا يخفى على أحد أن المؤسّسة العسكريّة مع الأفكار المناهضة للفساد، والإصلاح الاداري والفكر السّياسي الملوث، لكن بالتّأكيد نرفض الفوضى.
ويدعو كل الوسائل الاعلاميّة للتّحلي بالأخلاقيّة الاعلاميّة والمهنيّة، والتّجرد من الانحياز.
خطاب الكراهية يهدد الأمن والسّلم، أوقفوا حملات التّحريض ضد الأجهزة الأمنيّة، فهذا من شأنه تشجيع المتظاهرين على التّمادي في التّعاطي معنا.
وفي السّياق، يؤكّد المحامي علي عباس من المرصد الشّعبي لمكافحة الفساد، أنّ عناصر القوى الأمنيّة هم موظفون لدى المنظومة السّياسيّة الفاسدة، يعملون على حمايتها بكلّ الوسائل، علماً أنّهم يعانون أكثر من الشّعب اللّبناني نسبة لرواتبهم وحقوقهم المهدورة.
ويلفت إلى أنّ هؤلاء العناصر تمّ توظيفهم على أساس الوساطات والمحسوبيّات في السّلك العسكري، وبالتَالي هم “عبداً مؤموراً”.
ويقول عباس، لا شكّ أنّ هناك نوع من العنف والإجرام يمارس من قبل القوى الأمنيّة خلال التّظاهرات، وحتى الجيش في ذكرى 4 آب استخدم القوة المفرطة على المتظاهرين، لكن سيأتي يوماً ونشهد انقلاباً عسكريّاً في لبنان.
وسرّبت وثيقة أمنيّة قبل يومين جاء فيها، توفّرت معلومات أنّه بالتّزامن مع التّدهور الاقتصادي والمالي، تمّ التّداول بمعلومات عن التّحضير لتصعيد كبير في الشّارع، ومن الممكن أن يتطوّر لحصول عمليّات ظهور مسلّح وتوجّه إلى منازل السّياسيين، و أشارت المعلومات إلى أنّ الأمور ذاهبة نحو فوضى وتخريب، واستخدام السّلاح في الشّارع، وأعمال نهب وسرقة وتصفية حسابات، بحجّة ارتفاع سعر صرف الدّولار، والغلاء المعيشي تنفيذاً لأجندات سياسيّة، وأنّ التّوقيت أصبح بين ليلة وضحاها.