رسالة بالاتجاه المُعاكسِ، من موعوظٍ لواعِظ |بقلم العقيد د.عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
إلى عالي القدر والمقام، سماحة مفتي الجمهوريَّة اللبنانية، وعبرة إلى كل المرجعيات الدينيَّة في لبناننا الحبيب. من أصحاب الغِبطة والسَّماحةِ والنيافةِ والفضيلةِ وغيرِهِم من حملة الالقاب الدينية حفظهم الله جميعا.
إن لبنان دولة تقرُّ بالأديان السَّماويَّة حَصرا، وإن يكن لا تُعاقِب على اعتناقِ أديانٍ غير سَماويَّةٍ كالبوذيَّة والهندوسيَّةِ والسيخ …الخ، وبالتالي إن جميع الاديان المُعترفِ فيها في لبنان تقول بوجود إله واحد أحد، أما الاختلافُ فهو في كيفيَّةِ التَّقرُّبِ إلى الله ونيلِ رِضاه وطلبِ الرَّحمَةِ والمَغفِرةَ منه عن سيئاتنا.
وبالتالي هي أديان تؤدي ذات الغرَضِ وتدعو لمَكارِمِ الاخلاق وحُسنِ المزايا الانسانيَّة وإن بشَعائر وطُقوسٍ وتعابيرَ مُختلفة، أصحاب السَّماحَةِ والغِبطَةِ والنِّيافَةِ والفضيلة، ممارسةُ الطقوسِ والشَّعائر الدِّينيةِ على أهميَّتِها وَحدَها لا تُوصِلنا إلى الجِنَّة الموعودَة، ما لم تقترنَ بإيمانٍ فعليٍّ حَقيقيٍّ نابعٌ من القلب، إيمانٌ روحي لا ظاهِري.
آن التَّقرُّبَ إلى الله لا يكونُ فقط بارتداءِ الجلابيب او العباءات، ولا حَملِ التيجات والأيقونات او العمائم، ولا فقط عبرَ مُمارسةِ الطُّقوسِ الدينيَّةِ وفقَ مراسِمَ مُحدَّدةٍ حَسنة التَّنظيم والإعداد، مهما عَظًم شأنُها عند الله، ولن تخوِّلَ مُمارسيها الحُصولَ على مُفتاحٍ لجنته، او حفظ مكانٍ مرموقٍ فيها،
إن ما يُقرِّبكم من الله، ليس حُسنُ أداء الطُّقوسِ الدينيَّة المنوه عنها، وما يُحاطُ بها من مراسم، كما ليس وساطَتكُم بين العبدِ وربِّه إنما ما يقربُكم منه موقِفُ حقٍّ في وَجهِ سُلطانٍ جائر، وما أكثر السَّلاطين في لبنان، وليسَ هناك أمرَّ من جَورِهم.
أصحابُ السَّماحَةِ والغِبطَةِ والنيافةِ والفضيلة، الألقابُ التي تَحملونها والتي تُنادَونَ بها او تُخاطبون بها لا تَقلُّ قدرا عن ألقابِ زُعمائنا الوَضعِيين، بدءا بأصحابِ الفخامَةِ مُرورا بدولةِ الرئيس، وصاحب المعالي والسَّعادَة… وهي جميعها بهرجاتٌ باليةٌ عفا عليها الزَّمن باعتبارِها مَظاهِرَ من وَحي التَّمايُزِ عن باقي بني البَشر، ورُبما يفهمُها البعضُ على أنها من قبيلِ التَّمييزِ غير المُبررِ بين عباد الله، وبالتالي ليست بحَصانة في الدُّنيا، ولن تحصنَكم من الحسابِ يومَ القيامة.
أصحاب السَّماحة والغبطةِ.. إن المناصبَ التي تتبوَّؤونها ليست بوظائفَ وَضعيَّةٍ عادِيَّة، وهي في الحَقيقةِ توليكُم مهامَ جِسام، وتحمِّلِكُم مَسؤوليَّاتٍ عِظام، أهم وأكبرُ من ان ترؤسِ القداديس او أمامة المصلين، ولا تقتصرُ على إلقاءِ خُطَبِ في المُناسباتِ الدِّينيَّة، ولا على الوَعظِ او النَّهي عن الفواحِشَ او المُنكرات أيام الجُمعةِ ام الأحد.
إن مسؤوليتُكُم بل المَسؤوليَّاتِ الدِّينيَّة المناطَةِ بكُم هي أرقى وأسما وأعظمُ مما تظُنون، وبالتأكيدِ اوسَعُ وأهمُّ وأعلى شأنا مما تمارِسون عمليَّا.
مسؤولياتُكم، دُنيويَّةٌ إنسانيَّةٌ أُمميَّة وَطنيَّة، تُختصرُ بقولُ كَلمةِ الحَقِّ في كُلِّ ما يُعرضُ أمامكم، أو تُستفتَونَ فيه، او تلاحظونه او تعلمون أنه يَحصلُ في مُحيطكُم. وألا تخشون لومَةَ لائم، وعليكم ألا تقيموا حِسابا سوى للله، بديعُ السَّماواتِ والأرض وما بينهما، الإله الذي ستُرجَعُ إليه الأمورُ والفَصل فيها.
فإن كنتم مؤمنين حقَّا بالله وبرُسُلهِ وبرسالتِكُم الدينيَّةِ – الدُّنيويَّةِ عليكم ألَّا تحتسِبوا إلا لله، ولا يغيبَنَّ عن بالكُم أنَّكُم مُلاقوه يوما، وستُسألون عن مواقِفِكُم.
إن كنتُم حَقَّا تُؤمنون بالله وبيوم الحِساب، عليكم الامتناعَ عن التَّملُّقِ للزُّعماءِ الوَضعِيين أو مُسايَرتِهِم، بل عليكُم عدمَ السُّكُّوت عن ارتكاباتِهِم، ولا عن انتهاكِهم للمبادئ والقيمِ الأخلاقِيَّة، ولا للنُّصوصِ القانونيَّةِ الوَضعِيَّةِ التي وُضِعَت لتَنظيمِ العلاقاتِ في المُجتمع، وفي مُقدِّمَتِها النُّصوصُ الدُّستوريَّة.
أنتم مُطالبون بحَملِ هُمومِ الناس إلى الحُكام، لا حَملُ هُمومِ الحُكَّامِ إلى الناس، أنتُم مُطالبونَ بتبنِّي مَطالبَ الشَّعبِ المُحقَّة، لا تطلُّعاتِ ومَصالِحِ الحكَّام.
أنتُم مُطالبونَ في رَمي الحُرمِ على أي زعيمٍ او مَسؤولٍ يَستغلُّ مَنصبهُ والصَّلاحِيَّاتِ المُخولةِ إليه بِحُكمِ مَنصِبَهُ او وَظيفتَهِ لمآربَ فئويَّةٍ أم خاصَّة، لا الافتاءَ بما يَخدُمُ مصالِحَه، او القولُ بما يُبرِّر أخطاءَه، وقبلَ كُلِّ ذلك عدمُ مُباركةِ خطاياه، واعلموا أن الله لن يَستجيبَ لأدعيتِكم، طالما كانت مُخالفَةً لتعاليمِه.
أنتم مٌطالبونَ بمُتابعَةِ أوضاعِ الامَّةِ وأحوال مواطنيها، ونقلِ حَقيقةِ هواجِسِهم ومُعاناتِهِم إلى كِبارِ المَسؤولين وحَضَّهُم على مُعالجَتها.
أنتم مُطالبونَ بتنبيهِ الزًّعماءِ وكِبارِ المسؤولين لتَبعاتِ أخطائهِم لا السُّكوتُ عنها أو تبريرُها.
أنتم مسؤولون أمام الله كما أمامَ شعبِكُم عن الأمورِ المٌَصيريَّةِ التي يُقرِّرُها الحُكام وكبارُ المَسؤولين في الدَّولةِ في حالِ تعارضها مع المصلحة الوطنية، فلا تَسكتوا عنها بمجرد كشفِكُم العَيوبٌ التي تَشوبُها، أنتم مَسؤولون لا بل مُطالبونَ بإبداء الرأي حولَ الأمورِ والمَسائلِ الجَوهَرِيَّة،
أنتم مسؤولون عن كُلِّ أسبابِ وأساليبِ الظُّلم الذي يَتَعرَّضُ لها الشَّعبُ اللبناني، أنتم مسؤولونَ وستُسألون أمام الله عن سُكوتِكُم عن أداءِ السَّياسِيين في لبنان، ووقووفكُم موقِفَ المُتفرجِ من كُل ما يَحصل،
أنتم مَسؤولون وستُسألون امام الله عن سُكوتِكُم عن نَهبِ ثرواتِ البلد، وعن كُلِّ التَّعدِّياتِ التي طاوَلت أملاكَ الدولةِ العِقاريَّةِ أم المَنقولة، العامُة او الخاصَّة، بما في ذلك المَشاعات، أنتم مَسؤولون أمام الله وستسألون عن سكوتِكُم على هَدرِ المالِ العام، كما عن قرصَنةِ إيداعاتِ المواطنين في المَصارِف، وكذلك عن انهيارِ القِيمةِ الشِّرائيَّة للعملةِ الوطنيَّةِ وتدني المُستوى المعيشي لغالبيَّةِ الموَاطنين ومعاناتهم اليوميَّة.
أنتم مسؤولون أمام الله وستسألون عن إيحاءاتكِم بتملقكًم لبعضِ الزُّعماءِ رغم عِلمكم بعدم صَلاحِهِم، وأهم ما ستسألون عنه، هو سكوتُكُم عن السُّلوكيَّاتِ التي يٌرادُ منها إثارةُ الفتن بين مُكوِّناتِ المُجتمعات من خلال التَّلاعُبِ بالغرائز الفئويَّةِ سواءَ كانت إثنيَّة أو عرقيَّةٍ أم طائفيَّةٍ أم مذهبيةٍ أم عشائريةٍ أم مَناطِقيَّة.
أنتم مسؤولون وستسألون عن كل ما كان بإمكانكم أن تفعلوهُ لصالحِ شُعوبكُم وتقاعَستم..
أنتم مَطالبونَ بتوحيدِ جُهودِكُم، ومواقفكم، والتنسيقِ في ما بينكم، لمساعدةِ الشَّعبِ اللبناني على التخلَّصِ من كلِّ رُموزِ الفَسادِ بدلا من توفبر الحَصانةِ الدينيَّةِ أو المذهبيَّةِ لهم.
أنتم مُطالبونَ أيضا عن مُواكَبَةِ كل ما يَحصلُ من انتِهاكاتٍ في فلسطين وكُل ما تتعرضَ له من تغيير ٍ لوجهِة قُدسِها، وإدانة التَّعدِّياتِ تلتي يتعرَّضً لها أهلُها.
أنتم مسؤولون وستُسألون عن إغفالكُم لكلِّ ما يَحصلُ في القدسِ الشَّريفِ من انتِهاكاتٍ للأماكنِ المُقدَّسة (كنيسة القيامَةِ والمَسجدِ الأقصى،و…) كما لما يَتعرَّضُ له الشَّعبُ الفاسطينيُّ من قهر ٍوظُلمٍ وجَور….
أنتم مسؤولونَ وستسالون، عن سكوتكُم على مساعي التَّطبيعِ مع العدو الإسرائيلي، والدَّمُ الفلسطيني يراقُ كُلَّ يوم على مَسامِعكُم، وربما تَحرِفون أبصارَكُم عن مُشاهَدةِ ما يُرتكبُ بحق اطفالهِم ونسائهِم وكهلتهِم من مَجازر.
أنتم مطالبون بحثِّ العربِ على عَدمِ الانجرارِ في تيارِ التَّطبيع، احتِراما لمواقِفِهِم السَّابقَة، ولمُبُادرتِهِم العربيَّة، والتي حدَّدوا فيها سقفَ تنازلاتِهِم.
أن تقفوا او تبادروا إلى قولِ الحقِّ وتناصروا المظلوم على الظالمِ ترون أن الله مَعكُم، يُسدَّدُ خٌطاكُم ويشدُّ من أزرِكُم، وسترونَ أن الشَّعبَ كُلَّهُ مَعكُم.
إنها مجرد رسالة من مواطن مؤمن إلى الرُّعاة المؤتمنين على الرعيَّة.